خريطة مفاهيمية للدرس

تتبوأ اللّغة في الخطاب الأدبي عموما والشّعري خصوصا، مكانة متميزة بين سائر مكوّناته البنيوية، إذ أنّها مادة الأديب بما توفّره له من مفردات وتراكيب تمكنّه من التعبير عن هواجسه ومشاعره.

والمعجم الشعري أو البنية المعجمية للقصيدة هي مجموعة من المونيمات التي تحمل دلالات خاصة بمفردها أو في سياقها التركيبي.

 ويتفرع المعجم الشعري للقصيدة الجزائرية المعاصرة على حسب الدكتور يوسف وغليسي إلى قسمين:

1- معجم وجداني:

هو معجم غنائي ذاتي يسعى إلى تذويت الموضوع، ويسِمُهُ بسمات وجدانية واضحة تقوم على دوال لفظية رقيقة وناعمة، تنفذ إلى الوجدان بصورة حسية بحكم قربها من ذاته ومعايشته الذاتية لها، ويتكئ هذا المعجم على المونيمات (المفردات) التالية: الحبّ، الشوق، الفراق، الذكريات، الماضي، الحلم، الفؤاد، الغربة، العذاب، الحنين.... بالإضافة إلى مونيمات أخرى مستمّدة من الطبيعة ذات وقع خاص على الوجدان: البحر، الموج، الشاطئ، الشراع، الشّمس، الغيم، الليل، النّهر.

وقد ساد المعجم الوجداني في الخطاب الشعري الجزائري خلال الثمانينات بصورة لافتة، بعد غياب نسبي خلال السبعينات تحت وطأة الواقعية الاشتراكية التي لا تسمح للشاعر بالانسياب المطلق في مجاريه الشعرية الداخلية.

وعلى عكس ذلك عمّ المعجم الوجداني معظم الأشعار المكتوبة خلال الثمانينات، حتّى عند أشهر الملتزمين ( عيسى لحيلح، عز الدين ميهوبي مثلا) بحكم جملة من العوامل نذكر منها:

أ- زوال عامل الالتزام الاشتراكي، وعدم إلتزام الخطاب الشعري الثمانيني بقضية واضحة محدّدة يدافع عنها.

ب- أخذ العبرة من سلبيات المرحلة السابقة، التي حاولت أن تُموضع الذّات الشّعرية وأن تتشّبث بالقضايا الموضوعية الخالصة، فكانت النتيجة ضياع الهوّيات الشخصية للشعراء في غمرة الجري وراء تلك القضايا.

ج- العودة الواضحة إلى التراث الشعري القديم، التي شهدتها مرحلة الثمانينات وكان – لابدّ – أن تصطبغ هذه العودة بالصبغة الوجدانية المنعكسة على المعجم الشعري، بحكم أن الخطاب الشعري العربي القديم قد لازمته صفة "الغنائية/الذاتية".

2- معجم واقعي :

هو معجم موضوعي يستهدف "موضعة الذات" والابتعاد عن حدودها الضيّقة بالولوج في عوالم الواقع الفسيحة والتقاط جزيئاتها وعكسها على المساحة المعجمية للخطاب الشّعري.

ساد هذا المعجم بوضوح خلال السبعينات، حيث تجلّت معالم الواقعية الاشتراكية التي تسعى إلى التقاط الهموم اليومية للطّبقة الكادحة، وتعكسها على هذا الحقل المعجمي: الفلاح، المعول، السنبلة، الفقر، الجوع، الحصاد، الرغيف، العرق، المناجل..... بالإضافة إلى أسماء بعض أعلام الاشتراكية والرموز الثورية : "نيرودا" و"لنين" و"لوركا".....

وقد ساد في الثمانينات في صورة جديدة يمكن تسميتها الواقعية الإسلامية التي كانت قد ظهرت ملامحها في قصائد "محمد ناصر" و"مصطفى الغماري"، لتتبلور – فيما بعد – لدى "عيسى لحيلح، حسين زيدان، محمود حمودة نور الدين درويش، ناصر لوحيشي.....

تجسّدها ألفاظ: الجهاد، الخضراء، الصلاة، القرآن، السيف، أفغان.... مسايرة لملاح الصحوة الإسلامية التي بدأت في البروز مع مطلع الثمانينات.

وينضوي تحت المعجم الواقعي أيضا معجم آخر هو المعجم الثوري الذي يخيط النسيج الدلالي المكوّن له من الألفاظ التالية: الخيل، السيف، المطر، اللّهب، البركان، الرّيح، العاصفة، الدم، الثورة، الطوفان، الموج، الصّراخ....


النص الشعري الجزائري المعاصر.pdfالنص الشعري الجزائري المعاصر.pdf