محاضرات في نظرية النظم
و في هذا يقول ابن خلدون:" إن القرآن نزل بلغة العرب - وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا كلهم يفهمونه ، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه"[1].
و لكنَّك لو حاولت أن تنزع لفظا من ألفاظه لتأتي بشبيه له مكانه لايسعفك المعنى و لا السياق، وفي هذا يقول" أبو محمد بن عطية الأندلسي " [ت: 546هـ] : " وكتاب الله ؛ لو نُزِعت منه لفظة ، ثم أُدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لما وُجِد ، ونحن تبين لنا البراعة في أكثره، ويخفى علينا وجهها في مواضع ؛ لقصورنا عن مرتبة العرب ـ يومئذ ـ في سلامة الذوق ، وجودة القريحة ، ومَيْزِ الكلام "([2]).
و بهذا، وغيره كثير، تحدى القرآن الكريم العرب، أصحاب ومؤسسي اللسان، ليأتوا بمثله فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا ،لأنهم ،كما يقول عبد القاهر، أعجزتهم" مزايا ظهرت لهم في نظمه وخصائص صادفوها في سياق لفظه وبدائع راعتهم من مبادىء آيه ومقاطعها ومجاري ألفاظها ومواقعها ، وفي مضرب كلِّ مثلٍ ومساق كلِّ خبرٍ وصورة كلِّ عِظةٍ وتنبيه وإعلام وتذكيرٍ وترغيبٍ وترهيبٍ ، ومع كلِّ حجة وبرهان وصفة وتبيان،وبهرهم أنَّهم تأمَّلوه سورة سورة ، وعُشْرا عشرا ،وآية آية ، فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبو بها مكانها ولفظة ينكر شأنها أو يرى أن غيرها أصلح هناك أو أشبه أو أحرى وأخلق بل وجدوا اتساقا بهر العقول، وأعجز الجمهور ،ونظاما ،والتئاما، وإتقانا، وإحكاما لم يدع في نفس بليغ منهم ولو حك بيافوخه السماء موضع طمع حتى خرست الألسن عن أن تدعي وتقول وخلدت القروم فلم تملك أن تصول »([3]).
[1] -مناع القطان، مباحث في علوم القرآن، الطبعة السابعة أمكتبة وهبة ، القاهرة،ص326.
[2] - ابن عطية :المحرر الوجيز : ج1ص 39 – ط: المجلس العلمي بفاس – تونس : 1395
[3] - دلائل الإعجاز :39