ليس من الشك في أنّ سنة 1830م هي نقطة تحوّل كبرى في تــــــاريخ الجزائر الحديثة فقد كان حادث احتلال الجيش الفرنسي لمدينة الجزائر صدمة عنيفة هزّت نفوس الجزائريين الأحرار من الأعماق، بل هزّت نفوس المغاربيين جميعا حيث وجد لهذا الاحتلال صدى في الشعر الاونسي وشعر المغرب الأقصى يومئذ عما كتبه أدباء الجزائر وشعراؤها أمثال: حمدان بن عثمان خوجة، ومحمد بن الشاهد، وقدور بن رويلة، والأمير عبد القادر وآخرون، فظهر في كتابات هؤلاء جميعا الشعور القومي الوطني التحرّري ربّما لأول مرّة في تاريخ الثقافة الجزائرية طافحا بالآلام ومرارة الهزيمة أمّا جيش الغزاة الذي إكتسح البلاد وأذّل الرقاب وأتى على كلّ شيء جميل ونفيس فاغتصبه ودمّر الباقي، كما امتّدت يده الآثمة إلى المقدّسات فاعتدى على المساجد والقبور، حتّى صار المواطن ابن الجزائر الحرّة يتمنى الموت قبل أن يشاهد مثل هذه الهزيمة كما عبّر عنها الشاعر ابن الشاهد في حينه:
أموت وما تدري البواكي بقصتي
وكيف يطيب العيس والأنس في الكفر.
فيا عين جودي بالدموع سماحة
ويـــــا حزن شيّد فـــي الفؤاد ولا تسر.
تتناول الدروس مواضيع هامة في النص الشعري الجزائري الحديث كدراسة أغارضه وأنساقه الفكرية، والشعر الإحيائي والإصلاحي والنضالي الثواري وعوامل ظهوره مطلع القرن 20 م بالإضافة إلى الشعر النضالي والتحريض الرومانسي على الثورة مبرزين دور ثورة التحرير الكبرى ودوّيها في اللشعر الجزائري الحديث انتهاء بتجليات وتمظهرات حركة الشعر الحر في الجزائر.تتبوأ اللّغة في الخطاب الأدبي عموما والشّعري خصوصا، مكانة متميزة بين سائر مكوّناته البنيوية، إذ أنّها مادة الأديب بما توفّره له من مفردات وتراكيب تمكنّه من التعبير عن هواجسه ومشاعره.
والمعجم الشعري أو البنية المعجمية للقصيدة هي مجموعة من المونيمات التي تحمل دلالات خاصة بمفردها أو في سياقها التركيبي.
ويتفرع المعجم الشعري للقصيدة الجزائرية المعاصرة على حسب الدكتور يوسف وغليسي إلى قسمين:
1- المعجم الوجداني:
هو معجم غنائي ذاتي يسعى إلى تذويت الموضوع، ويسِمُهُ بسمات وجدانية واضحة تقوم على دوال لفظية رقيقة وناعمة، تنفذ إلى الوجدان بصورة حسية بحكم قربها من ذاته ومعايشته الذاتية لها، ويتكئ هذا المعجم على المونيمات (المفردات) التالية: الحبّ، الشوق، الفراق، الذكريات، الماضي، الحلم، الفؤاد، الغربة، العذاب، الحنين.... بالإضافة إلى مونيمات أخرى مستمّدة من الطبيعة ذات وقع خاص على الوجدان: البحر، الموج، الشاطئ، الشراع، الشّمس، الغيم، الليل، النّهر.
وقد ساد المعجم الوجداني في الخطاب الشعري الجزائري خلال الثمانينات بصورة لافتة، بعد غياب نسبي خلال السبعينات تحت وطأة الواقعية الاشتراكية التي لا تسمح للشاعر بالانسياب المطلق في مجاريه الشعرية الداخلية.