مظاهر الفساد الإداري والمالي:

أوّلا: الرشوة: La corruption

الرشوة هي مرض خطير من الأمراض الاجتماعية التي اكتسحت العالم، وهي مظهر من مظاهر الفساد الإداري والمالي والتي تتمّ عن طريق دفع مال لشخص بهدف الاستفادة من شيء ليس له فيه حقّ، أو ميّزةٍ ليست ملكاً له، أو من أجل إعفاء شخص من واجبٍ لا يريد القيام به. وهي آفة محرّمة شرعا وقانونا.

تعريفها لغة:

    (جاء في لسان العرب ما نصّه: (رشا: الرَّشْوُ: فِعْلُ الرَّشْوَةِ، يُقَالُ: رَشَوْتُه. والمراشاةُ: المحاباةُ. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّشْوَةُ والرُّشْوَةُ والرِّشْوَةُ مَعْرُوفَةٌ: الجُعْلُ)[1]والجعل (هُوَ مَا يُعْطِيه الشَّخْصُ الحاكِمَ أَو غيرَهُ ليَحْكُمَ لَهُ، أَو يَحْمِلَه على مَا يُريد)[2]

    قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الرُّشْوَةُ مأْخوذة مِنْ رَشَا الفَرْخُ إِذَا مدَّ رأْسَه إِلَى أُمِّه لتَزُقَّه. أَبو عُبَيْدٍ: الرَّشَا مِنْ أَولاد الظِّباء الَّذِي قَدْ تحرَّك وتمشَّى) [3] قال ابن الأثير: (الرَّشْوَةُ والرُّشْوَةُ الوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بالمُصانعة، وأَصله مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ، فالرَّاشِي مَنْ يُعطي الَّذِي يُعينُه عَلَى الْبَاطِلِ، والمُرْتَشِي الآخذُ، والرَّائِش الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزيد لِهَذَا ويَسْتَنْقِصُ لِهَذَا، فأَما مَا يُعطى توصُّلًا إِلَى أَخذِ حَقّ أَو دفعِ ظلمٍ فغيرُ داخِلٍ فِيهِ.)[4]

وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ:

   مَا يُعْطَى لإبطَال حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإحْقَاقِ الْبَاطِل، أَوْ إِبْطَال الْحَقِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ

أ - الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَل: مَنْ صَانَعَ بِالْمَال لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ

ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:

أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَال، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِل كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا. وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُل حَرَامٍ لاَ يَحِل كَسْبُهُ.

ج - الْهَدِيَّةُ: هي مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُل عَلَى سَبِيل الإْكْرَامِ وهي مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ. وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ  غير أنّ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ

الرّشوة من الكبائر، ورشوة المسؤول عن عمل الحرام،  قال تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)[5]، وقال الحسن وسعيد بن جبير أنَّ السُّحت هو الرِّشوة. أمَّا في السّنة فروى عبد الله بن عمرو: (لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الرَّاشيَ والمُرتشيَ)[6]. وطلب الرّشوة، وقبولها، وبذلها، وعمل الوسيط بين الرّاشي والمرتشي حرام، وعند جمهور الفقهاء أجازوا للإنسان أن يدفع رشوة لدفع ضرر أو ظلم، أو للحصول على حق، وبهذه الحالة يقع الإثم على المرتشي دون الرّاشي[7].

عوامل تفشّي الرشوة

تعددت الأسباب التي أدّت إلى تفشّي ظاهرة الرّشوة وانتشارها، ونذكر منها:

ضعف الوازع الدّينيّ، وعدم مراقبة المسؤولين لعمالهم، وهذا يجعلهم يتجرّأون على أخذ الرّشوة مقابل أداء عملهم.

وجود خلل في نظام السّلطة، فيصبح صاحب الحق غير قادر على الوصول إلى حقّة إلا بدفع الرّشوة.

وجود الحاجة والفاقة، فالمحتاج يلجأ لتقديم الرّشوة للوصول إلى أكثر مما له ليسدّ حاجته.

عرف الفقه الرشوة بأنها متاجرة الموظف بأعمال وظيفته عن طريق طلب أو قبول أو تلقي ما يعرضه صاحب

الحاجة مقابل أداء خدمة أو الامتناع عن أدائها.

 و عرف القانون الجزائري مرتكب الرشوة من خلال المادة 127 من قانون العقوبات على أنه "يعد مرتشيا ويعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وبغرامة مالية تتراوح من 500 إلى 5000دج لكل عامل أو مندوب بأجر أو مرتب على أي صورة كانت طلبا أو قبل عطية..... إلا أن من شأن وظيفته أن تسهل له أداءه أو كان من الممكن أن سهله له .

والرشوة ليست ظاهرة عابرة أو عرضية، وإنما هي ظاهرة مؤثرة في الاقتصاد بدليل الخسائر الناجمة في الواقع عن دفع الرشوة التي تعد فادحة ولا نظير لها إلى الحد الذي يمكن أن يرهن مستقبل الكثير من الأجيال، وتظهر الرشوة في نظام المنافسة الاحتكارية لأن الاحتكار يجبر المستهلك على تغيير أولويات سلوكه الاقتصادي سعرا أعلى من سعر التكلفة إلا أن هذا السعر لا يذهب إلى المنتجين بل إلى طرف وسيط في التبادل نجم عن تصرفه تزايد الحاجة للسلطة أو الخدمة في السوق .

 

ثانيّا : المحسوبية:

المحسوبية لغة إسناد الوظائف أو منح الترقيّات على أساس الرعاية والنفوذ، لا على أساس الكفاءة[8]

أمّا المحسوبيّة اصطلاحا فهي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جماعة أو جهة ينتمي لها الشخص مثل حسب، أو عائلة، أو منطقة، او مؤسّسة... دون أن يكونوا مستحقّين لها[9]

هي إصرار ما تؤيّده التنظيمات من خلال نفوذهم دون استحقاقهم له أصلا، بمعنى إيصال من ليس لهم حقّ إلى عمل ما. ويتمّ نفوذ هؤلاء إلى الوظائف دون استحقاقهم لها أصلا ويترتب عن انتشار ظاهرة المحسوبية شغل الوظائف العامة بأشخاص غير مؤهلين مما يوثر في انخفاض كفاءة الإدارة في تقديم الخدمات وزيادة الإنتاج .

-ثالثا المحاباة: يقصد بالمحاباة تفضيل جهة على أخرى بغير وجه حقّ كما في منح المقاولات و عقود الاستئجار والاستثمار.

و تعتبر المحاباة و المحسوبية من أكثر مظاهر الفساد خطورة و الأصعب علاجا يترتب عنها آثار سلبية تنعكس على حياة المجتمعات نتيجة لتلك الممارسات.

كما أن التحيز والمحاباة لطبقة ما ولاعتبارات عرقية أو عقائدية يؤدي إلى شقّ الوحدة الوطنية و غرس العداء والحقد في النفوس وإضعاف ثقتهم بنزاهة الإدارة وعدالتها.

من الدارسين من لا يفرّق بين المحسوبيّة والمحاباة عند الباحث الدكتور أحمد ابو دية، الذي أشرف عليه الدكتور عزمي الشعيبي، حيث جاء في بحث الأوّل ما نصّه:

 المحسوبية والمحاباة: وتعني تفضيل بعض المسؤولين لأشخاص معينين واعطائهم ميزات معينة مثل تقديم المساعدات الغذائية والمادية من قبل المسؤولين لأشخاص معينين من المقربين منهم دون أن يكونوا مستحقين لها وبالرغم من وجود من هم أحق بها منهم، أو أن يقوم المدرس في الصف بوضع أعلى العلامات لطالب معين من أقاربه رغم انه ليس افضل طالب في الصف.

   وتكم خطورة المحسوبية والمحاباة في حصر المنافع العامة والخدمات في يد فئة قليلة من المواطنين المتنفذين أو الذين لديهم علاقات مع المسؤولين، الأمر الذي ينتج عنه الشعور بالظلم الاجتماعي لدى الفئات الأخرى من المواطنين ومن ثم إلى ضعف الانتماء الوطني وتفكك المجتمع[10]

رابعا  الوساطة :

   الوساطة ظاهرة اجتماعيّة منتشرة في كلّ المجتمعات، ويعرّفها البعض على أنها "تدخّل شخص ذي مركز ونفوذ لصالح من لا يستحق التعيين، أو إحالة العقد، أو إشغال المنصب"، ولها أسباب كثيرة منها :

- انتشار البيروقراطية في المؤسّسات الرسميّة

- تفاوت أفراد المجتمع اجتماعيا واقتصاديا.

- ضعف انتشار المستوى التعليمي.

و عادة ما تظهر الوساطة في المجتمعات المتخلّفة والتي تسود فيها:

- عدم وضوح قوانين التنظيمات العامة والخاصة.

- عدم وجود الثقة بين المواطنين والمسؤولين، وانعدام الشفافيّة في تطبيق القوانين.

-  شيوع فكرة الاستثناء لكلّ قاعدة .

ومن أمثلتها: مظاهرها:

- قيام الأشخاص المتنفذين في الدولة بالتوسط لدى المسؤولين لتعيين أقاربهم في مؤسسات الدولة بغضّ النظر عن مدى صلاحيتهم للعمل، ويكون ذلك على حساب أشخاص آخرين أكثر كفاءة وتعليم وتدريب وهو ما يؤدي إلى عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

- قيام أحد المسؤولين بالتوسط لاحد أقاربه للحصول على بعثة دراسية رغم وجود طلاب آخرين أحقّ منه بها لأنهم اكثر كفاءة منه.

خامسا  الابتزاز والتزوير

أولا: الابتزاز

للابتزاز تعاريف كثيرة منها:

- هو القيام بالتهديد بكشف معلومات معيّة عن شخص، أو فعل شيء لتدمير الشخص المهدّد إن لم يقم الشخص المهدّد بالاستجابة إل بعض الطلبات

- هو الحصول على أموال من جهّة معيّنة في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد.

وتلتقي هذه التعاريف في أنّها محاولة الحصول على مكاسب ماديّة أو معنويّة عن طريق الاكراه من شخص أو اشخاص أو حتّى مؤسّسات ويكون ذلك الإكراه بالتهديد بفضح سرّ من أسرار المبتزّ.

ثانيّا التزوير:

   التزوير تحريف متعمّد للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يثبتها صكٌّ أو مخطوط يشكِّل مستنداً بدافع إحداث ضرر ماديّ أو معنويّ أو اجتماعيّ .وهو نوعان:

- التزوير الماديّ: ويتمّ عن طريق تشويه المخطوطة بأيّ عمل ماديّ كالتحشية* والحذف والحكّ وحتى التقليد (أي يتناول الكتابة أو المخطوطة بصورة مباشرة).

- التزوير المعنويّ: يحصل دون أيّ أثر ماديّ في الكتابة لأنّ التحريف هنا يتناول مضمون المخطوطة المكتوبة ومعناها، والمثال على ذلك إدراج بيانات كاذبة في مستند على أنّها صحيحة.

يتعلق التزوير بتحريف محتوى الوثائق الرسمية والمحررات الإدارية بغية الحصول على منافع شخصية؛ وقد يكون لطمس الحقائق أو للهروب من المتابعات القضائية وطمس الأخطاء الإدارية، ومثال ذلك تزوير تاريخ الميلاد مثلا للاستفادة سواء من زيادته أم نقصانه) الزيادة لبلوغ سن العمل مثلا، والنقصان للهروب من العدالة والعقاب بحجة عدم البلوغ (.

سادسا:  نهب المال العام والإنفاق غير القانوني له.

   ويعني الحصول على أموال الدولة والتصرف فيها بغير إذن منها تحت ذرائع وحجج كثيرة مختلفة، ويشاهد ذلك في:

صرف الأموال الطائلة في ما لا مصلحة للعامة فيه ولا يخدم حاجياتهم مثل الإكراميات للمسؤولين ، وصرف الأموال في الولائم ، اقتناء المسؤولين لسيّارات فارهة بمبالغ مرتفعة - مع وجود سيارات في الحضيرة – من أجل التبرج وإرهاب البسطاء، والبحث عن السفريات متذرّعين بالبحت عن شراكات أخرى خارجيّة أو تمويل برامج خاصة بهم ل يستفيد منها المواطنون لتحقيق أغراض سياسية أو اقتصادية، أو الشروع في إنشاء أعمال ضخمة تتطلّب أموال طائلة المجتمع ليس في حاجة إليها، كمشروع المسجد الأعظم الذي لم تكن الجزائر في حاجة إليه ولا سيّما أنهم شرعوا فيه مع بداية 2014 حيث الأزمة الماليّة مع هبوط ثمن البترول.

  بنهب المال مع حرص الموظّفين العامّين الفاسدين على اختلاس المال العام والحصول على المبالغ الماليّة الكبيرة من خلال عقد الصفقات العموميّة ومختلف الاستثمارات بأموال بطرائق غير قانونيّة أو قانونيّة مفصّلة لخدمة طبقة معيّنة. أو تضخيم فواتير الإنفاق العام لصالح أفراد أو طبقات معينة.

   أمّا الإنفاق غير القانوني للمال العام فهو من أبرز العوامل التي تقود إلى تبديد الثروة القومية وله صور كثيرة منها:

منح التراخيص للقيام بمشاريع بطريقة غير شرعيّة.

الإعفاءات الضريبية والجمركية للأشخاص والشركات غير المؤهلة قانونا أو التي لا تملك الكفاءة في إنجاز المهام، من بدون وجه حق، أو بشكل غير نزيه وغير عادل، هدفه إرضاء من هم في السلطة أو لتحقيق المصالح المتبادلة.

ومما يزيد في مأساويّة الوضع أن بعد الاستيلاء على المال العام يلجأون إلى تهريبها إلى الخارج بسرية، وتكون بمنأى عن استردادها أو من أن تمتد يد العدالة إليها عن طريق التصرف فيها صوريا أو ظاهريا إلى الغير الزوجة أو الأبناء .

-سابعا التباطؤ في إنجاز المعاملات .

والمقصود هنا هو ذلك المظهر المتعلق بلا مبالاة الموظف العمومي واستهتاره بالمواطنين أو الهيئات المفترض أن يقدم لها الخدمة المنوطة به والمكلف بها قانونا فنجده لا يقوم بعمله في الوقت المناسب مما يضيع حقوق الأفراد

والجماعات، بل وقد يؤدي ذلك إلى الى العصيان الإجتماعي ما يهدد الإستقرار الإجتماعي والسياسي للدول،

وغالبا ما يكون التباطؤ بنية الإبتزاز والحصول على منافع شخصية للإسراع في إنجاز المعاملات .

-8 الإنحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية من قبل الموظف المسؤول.

-9 المخالفات التي تصدر عن الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته .

10 - عدم إحترام أوقات العمل ومواعيد العمل في الحضور والإنصراف او تأدية الوقت في قراءة الصحف

، وأستقبال الزوار والإمتناع عن العمل أو التراخي أو التكاسل وعدم تحمل المسؤولية :

و يظهر بعدم التزام الموظف وقت العمل، أو بحسب تفضيل العلاقات فإنه بذلك يصرف وقتا هو ملك

للدولة فيلحق الضرر بالمراجعين من خلال سرقته لوقتهم و تأخيره و إنجاز معاملاتهم، مما يؤدي إلى ظهور الفساد

الإداري و المالي لأن المراجع سيلجأ في مثل هذه الحالة إلى البحث عن مصادر غير قانونية لتسوية معاملاته حتى قبل

المراجعة

محاضرات الفساد وأخلاقيات العمل د.عبد الحفيظ مسكين

26

كما أن تخوف الموظفين و عدم تحملهم المسؤولية يدفعهم إلى تجزئة إجراءات المعاملة الواحدة بين عدة أشخاص

، لاعتقادهم بأن زيادة عدد متخذي القرار يتناسب عكسيا مع احتمال التعرض للمسؤولية، على الرغم من أن قرار

بعض المعاملات لا يتحمل على أساسه الموظف أي مسؤولية .

-11 إفشاء أسرار الوظيفة والخروج عن العمل الجماعي والمحاباة في التعيين في مناصب المسؤولية .

الخروج عن العمل الجماعي أو الإنفراد بالعمل والخروج عن العمل المؤسساتي الجماعي كثيرا ما يوقع المصالح

والإدارات والهيئآت في مشاكل قد تؤدي إلى ضياع حقوق الناس وربما اللجوء إلى القضاء، لأن الأعمال الفردية مهما

يكن صاحبها ففيها نقصان، والعمل الجماعي أكثر مصداقية واقل خطأ .

كما أن إفشاء السر المهني يعتبر من مظاهر الفساد نظرا لما قد ينجر عنه من مخاطر سواءا على المستوى الفردي

أو الجماعي، فالطبيب الذي يفشي سر مريضه قد يضره من الناحية المعنوية أمام المجتمع والموظف الذي يفشي أسرار

عمله أو أسرار شخصية متعلقة بزملاء العمل يضر بالتأكيد بالإنسجام داخل المؤسسات، وقد أعتبر المشرع الجزائري

إفشاء او محاولة إفشاء السر المهني كخطأ يجب معاقبة مرتكبه .

-12 مخالفة القواعد المالية و الأحكام المالية القانونية :

إن الميل نحو مخالفة القواعد و الأحكام المالية المنصوص عليها في القانون أو داخل المنظمة و محاولة تجاوزها،

و اعتبار ذلك نوع من الوجاهة أو دليل على النفوذ و السلطة هو أحد المظاهر البارزة للفساد الإداري و المالي الذي

يتعايش معه السلوك الإنساني إلى درجة تحول الفساد من مجرد سلوك يتقبله البعض إلى سلوك معتمد و مبرر من قبل

الأكثرية و كنتيجة لذلك تسود الرغبة في مخالفة أحكام القانون و الخروج عن ضوابطه للحصول على المنافع الشخصية

التي تخدم مرتكبيه، و من أبرز المخالفات شيوعا الاحتيال و التهرب الجبائي الذي يضعف ميزانية الدولة، و التهرب

الجمركي الذي يخل من تنافسية الشركات و يحرم الدولة من الإيرادات، و تهريب الأموال الذي يقلل من ثقة المستثمر

الأجنبي و المحلي .



[1]  ابن منظور، لسان العرب، ج14، تحقيق اليازجي، دار صادر بيروت، ط3/1414، ص 322.

[2]  مرتضى، الزَّبيدي، تاج العروس، تح: محموعة من المحققين، جار الهلال، ج28، ص 153

[3]  ابن منظور، لسان العرب، ج14، تحقيق اليازجي، دار صادر بيروت، ط3/1414، ص 322.

[4]  المصدر نفسه، والصفحة نفسها

[5]  المائدة 42

[6]  الألباني،  صحيح الجامع الصغير وزياداته ج2 – المكتب الإسلامي، ص 910.

[7]  الموسوعة الفقهية الكويتية، ج22،  دار السلاسل - الكويت: ط2 ص 221-222.

[8]  أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، م2، عالم الكاب – القاهرة، ط1/2008، ص 492

 [9]  أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص 4

[10]  أحمد ابو دية، الفســاد: الداء والدواء، منشورات الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان  2004، ط1/2004، ص 2

*  تعليق على نصٍّ في هامشه أو بعد نهايته بملاحظاتٍ تفسيريَّة أو تاريخيَّة ونحوها يضيفها مؤلّف النَّص أو محقّقه علَّق على الكتاب بتحشيات مفيدة للقارئ .


المحاضرة الرابعة

الفساد الأخلاقي والسياسي:

بداية يستحسن أن نفرّق بين الفساد والظلم الفاسد والباطل.

قال الكفوي: الفساد أعم من الظلم؛ لأن الظلم النقص، فإن من سرق مال الغير مثلا فقد نقص حق الغير، أما الفساد فيقع على ذلك وعلى غيره كالابتداع واللهو واللعب.

وقال رحمه الله: الفاسد ما أمكن الانتفاع به رغما عن رداءته، من قولهم فسد اللحم إذا أنتن، والباطل ما لا يمكن أن ينتفع به، من قولهم بطل اللحم إذا دود وسوس بحيث لا يمكن الانتفاع به

   باب الأخلاق واسع جدّا، وقد أفاض فيه القرآن والسنّة حتّى قال عليه الصلاة والسلام (إنّما بعثت لأتمّم صَالِحَ الأخلاق)[1] والفساد الأخلاقيّ في مفهومه العام من أخطر أنواع الفساد بتعَدّي الفرد على العروض، وخدشه لشعور الناس. ومن أخطر صوره الاعتداء على الآخرين التي صانها الشرع والدين بتنظيمه للعلاقة الجنسيّة من خلالها قصرها على الزواج دون غيره، بل جعل غير تعدّيا صارخا على حرمات الآخرين، وجعل صاحبه من العادين، كلّ ذلك من خلال تنظيمه للعلاقة الجنسية التي قصرها على الزواج، (æPvӁÓöYX ê™QZmö]ôEö÷YöF¢QA Ó§,Aætæo ]†çjü\^r \†«<E]×jØo£BÓöYX b~aŒ æuoarBöÓm>j@H (7)) وقد أشارت إليهم الآية بـ "أولئك" تمييزا لهم (بهذه الخصلة الذميمة ليكون وصفهم بالعدوان مشهورا مقرّرا)[2]، ونلاحظ زيادة ضمير الفصل "هم" الذي جاء لتأكيد الحكم وتقويّته ليبيّن أنّهم بارتكابهم لهذه الجريمة قد بلغوا غاية العدوان على حدود الحكم الشرعيّ وقبل ذلك على محارم الله.

   وتعرّض القرآن إلى نوع آخر من الفساد الأخلاقي الخطير التي تبيحه المجتمعات التائهة في ضلال العقيدة والجاريّة وراء نزوات النفس والدعوات الهّدامة القاضيّة على الإنسان لتحويله إلى جنس أضل من الحيوان عندما أباحوا الزواج المثليّ تحت شعار الحريّة. وهي دعوات دعا إليها من قبل قوم لوط، قال تعالى: (IB¡pöajæo Ì^r¢A *gB]ZX ¯ùŠöù‚÷pö]ZWçj æupöa‡FBö]‡öF%&A ]‡Š\{yöø#<æYW>j@]A ÷~aôEZöF%&Aæo æuobsR“÷YEöa‡F (56) ÷~.ö„MöóEöÈ<F%&A æupöa‡FB]ôEö]j *gBÓѐ³Psj@]A L‡‰Ópö÷‹\{z vö³ù‚ Puoar $ù§,Bæy±öùóEj@¢A *hÓYöF ÷~aôEZöF]A ¸}÷pö]ZX æupöaiæ‹÷я]‡F)[3]وقد علّق صاحب التحرير والتنوير على "وأنتم تبصرون" فقال: (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ حَالٌ زِيَادَةٌ فِي التَّشْنِيعِ، أَيْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَلَنًا يُبْصِرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَإِنَّ التَّجَاهُرَ بِالْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْسَانِهَا وَذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بالنواهي)[4] كما وقف على قوله : "تجهلون" حيث (وَصَفَهُمْ بِالْجَهَالَةِ وَهِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِأَحْوَالِ أُفْنِ الرَّأْيِ وَقَسَاوَةِ الْقَلْبِ)[5] كما انتبه إلى استخدام القرآن للخطاب بدل الغيبة فقال: (وَرُجِّحَ فِي قَوْلِهِ: تَجْهَلُونَ جَانِبُ الْخِطَابِ عَلَى جَانِبِ الْغَيْبَةِ فَلَمْ يَقُلْ: يَجْهَلُونَ، بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَكِلَاهُمَا مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْخِطَابَ أَقْوَى دلَالَة)[6] وهكذا نجد القرآن يعدّ عمل قوم لوط إحدى الصور الشنيعة للفساد في الكون، وهو عمل شائن لا تكون عواقبه الوخيمة الأمراض المختلفة فحسب ولكن أيضا تهديد النسل، والقضاء على الوجود البشريّ، وهو سبب تشنيعه في القرآن.

   وهو موضوع تطرحه مدنيّة القرن الواحد والعشرين تحت عنوان: "المشكلة الجنسية" التي أمست معلماً سيّئا بارزاً وخطيراً ولا سيما في المدنيّة الغربية التي تريد أن تتحكّم في العالم اليوم، هذه الجنسية المثليّة التي يريد الغرب أن يقنّنها كظاهرة إنسانية مقبولة، غير أنّ القرآن يعدّها إحدى صور الفساد ونموذج سيّء تعيشه البشريّة في الوقت الراهن. وهي ظاهرة عمّ خرابها، ولها دعاة حتّى في المجتمعات الإسلاميّة. وقد أفرزت أمراضا خطيرة كالسيدا (طاعون العصر). وهي مشكلة معقّدة قد صارت معلماً في حساب درجة الإفساد في الأرض، تعيشه مدنيّة الغرب الماديّة التي ألقت سمومها على العالم كلّه. لتكون الأنموذج الجليّ لانهيار المجتمع العالميّ وفساده وتفككه .

   هكذا هو الفساد الأخلاقي، والإدارة الجزائريّة لا تخلو منه فقد أمسى منتشرا في كثير من مؤسّساتنا. وقد عرّف بعضهم الفساد الأخلاقيّ بأنّه: "مجمل الانحرافات الأخلاقيّة والسلوكيّة المتعلّقة بسلوك الموظّف الشخصـــيّ وتصرفاته؛ كالقيام بأعمال مخلّة بالحياء في مكان العمل، أو الجمع بين الوظيفة وأعمال أخـــرى دون إذن إدارتــه، واستغلال السلطة لتحقيق مآرب شخصيّة على حساب المصلحة العامة".

   فالفساد الأخلاقي يظهر في سلوك الموظّف الذي يتحرّش بالأخريات، كما يظهر في القيام بأعمال أخرى دون أن يصرّح بها وتوافق عليها إدارته الأصليّة، أو أنّه يستغلّ موقفه ليحقّق مآرب أخرى على حساب أداء عمله في المؤسسّة التي يتقاضى أجرا منها.

الفساد السياسي

يختلف مفهوم الفساد السياسي وتتغاير مظاهره من دولة إلى أخرى، غير أنه على اختلافه وتعدّد مظاهره يعني (فساد طبقة الساسة والحكّام وقادة الأحزاب وأعضاء الحكومة (النخب الحاكمة)، أيّا كان موقعهم أو انتماءاتهم السياسية، حين يقوم هؤلاء بالتواطؤ باستغلال مواقع النفوذ السياسي لتوجيه القرارات والسياسات والتشريعات؛ لتحقيق مصالح خاصة بهذه الطبقة، أو أحد أطرافها أو الموالين لها، والإثراء غير المشروع من السلطة، أو الحصول على أموال غير قانونية لزيادة النفوذ المالي والاجتماعي، أو لتمويل حمالتهم الانتخابية، أو لتسهيل الحصول على الرشاوى وتشريعها، مقابل منح استخدام أو امتلاك أراضي الدولة أو عقود وامتيازات أو تراخيص أو موافقات تجارية، إذ تصبح الخزينة العامة حسابا بنكيا خاصا بهذه النخبة، بما يشمله من مغالاة في الصرف على أمور ترفيهية ذاتية، ترافقها كذلك عمليات تهريب للأموال العامة وبشكل سري إلى البنوك، أو استثمارات خارجية. إن الدولة التي يتفشّى فيها الفساد السياسي يطلق عليها (دولة الحرامية)  "Etat des voleurs " " Kleptocratie "حيث يتم من خلال الفساد السياسي  زيادة ثروة المسؤولين والطبقة الحاكمة على حساب الشعب بأكمله، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال نهب المال العام)[7].

لقد برز في العامل العربي بيئة وفرص من الفساد، غير مرتبطة بشخص معيّن، بل بجماعة أو شريحة، كالحزب أو العائلة أو الطائفة. ولم تتم مساءلة أو محاسبة المسؤولين عنها؛ بسبب ضعف السلطتين التشريعية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدني، ومع مرور الوقت لم تعد حالات أو ظاهرة عابرة أو مرتبطة بحدث معينّ، ولكنها أصبحت ظاهرة ارتبطت برموز النظام وأعوانه والمقربين منه، وخاصة وأن معظم هذه الدول لا تجرى فيها انتخابات ديمقراطية حقيقية تؤدي لتغيير الحاكم لسنوات طويلة.

أبرز مظاهر الفساد السياسي في العالم العربي

 1  السيطرة على السلطات في النظم العربية بديلا عن الفصل بين السلطات

- هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات سمح للسلطة الحاكمة الاحتكار والتفرد في اتخاذ القرار وسمح باختطاف الدولة ومواردها

- اعتماد مبدأ أن رأس السلطة فوق السلطات جميعها حول مبدأ الفصل بني السلطات ال معنى له.

2  واقع السلطة التنفيذية

- غياب مبدأ الشفافية وضعف نظم المساءلة أتاح الفرص للمتنفذين في السيطرة على الثورة بجانب السلطة.

- عدم اعتماد مبدأ إفصاح المسؤولين عن ممتلكاتهم عزز من قدرتهم على الانتفاع من السلطة وأتاح لهم التجارة بالنفوذ.

- المعلومات والسجلات العامة محتكرة من قبل المسؤولين وممنوعة عن العامة

- السيطرة على عملية اتخاذ القرار في تعينات كبار المسؤولين وغياب اجراءات شفافة ونزيهة في تعينهم قاسما مشتركا في غالبية الدول العربية عزز من المحسوبية.

- قوانين الطوارئ أداة بيد الطبقة الحاكمة للهروب من احترام سيادة القانون.

3 واقع السلطة التشريعية:

- ان عملية الاحتواء التي شملت البرلمانات سهلت سنّ تشريعات للمحافظة على بقاء الأنظمة ووجهت الموازنات وحاصرت المعارضين وقزمت دور البرلماني في مكافحة

 

4 واقع السلطة القضائية:

- السلطة التنفيذية تضعف استقلالية القضاة بالتحكم في تعيينهم وترقيتهم وانتدابهم أو احالتهم على التقاعد.

- جهاز النيابة العامة في معظم الدول العربية اداه مباشرة في يد المسؤول الأول ويستخدم لتعزيز نفوذ النخب الحاكمة وحمايتها من المساءلة وتسهيل الإفلات من العقاب

- المحاكم الاستثنائية اضعفت من دور القضاء النظامي

5 إحكام السيطرة على نتائج الانتخابات العامة:

- النخب الحاكمة صممت الأنظمة الانتخابية لتمنحها القدرة على التحكم المسبق في نتائج الانتخابات وشكل البرلمان

6 إدارة الممتلكات والأموال العامة لصالح النظام السياسي الحاكم وأعوانه

- التصرف في إدارة الأموال والممتلكات العامة باعتبارها ملكا للحاكم أو الحكومة وليس للدولة

- عدم وجود رقابة برلمانية فاعلة على إنفاق المال العام شكّل مدخلا لنهبها

- استخدام او تخصيص اراضي الدولة او بيعها لصالح شركاء او وكلاء النظام او توزيعها على الموالين للنظام.

7 الإصرار على تبعية مؤسسات أجهزة الرقابة العامة للسلطة التنفيذية يعزز حصانة المسؤولين من المحاسبة:

- تبعية أجهزة الرقابة ومسؤوليها لسلطة الحاكم أفرغها من دورها في مكافحة الفساد.

8 واقع الجيش والمؤسسة الأمنية:

- الآمن للدفاع عن النظام حيث تكرست سياسة زيادة اعداد الأجهزة الأمنية وأنواعها وتوفير الامتيازات لمسؤوليها على حساب مؤسسة الشرطة المدنية وسيادة القانون والخزينة العامة.

9 تقييد حرية تشكل الأحزاب السياسية:

- السياسة حكر لأهل السياسة

- معظم الدول العربية سمحت بالعمل الحزبي في إطار شروط تقييدية أفرغت الهدف من مضمونه.

10 تقيد دور المنظمات الأهلية وإضعافه:

- سياسة تحجيم ومحاصرة العمل الأهلي واحتواء قياداته وتخفيف موارده المالية أضعف المساءلة المجتمعية.

11 الإعلام:

- استخدام الإعلام الرسمي للترويج للنظام وسياساته ورموزه أضعف من دوره الاستقصائي وعزز الرقابة الذاتية لدى إداراته

 



[1]  البخاري، الأدب المفرد، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية – بيروت، ط3/1989، ص 104

[2]  ابن عاشور التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984، ص

[3]  سورة النمل، الآيتان 54، 55.

[4]  ابن عاشور التحرير والتنوير، ج 19، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984، ص 288

[5]  المرجع نفسه، ص 288

[6]  المرجع نفسه، ص 299

[7]  مجموعة من الباحثين، الفساد السياسي في العالم العربي، منشورات الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة )أمان( 2014، ص4


المحاضرة الثالثة

الفساد الإداري

يعرّف الفساد الإداري اصطلاحا بأنّه أزمة خلقية في السلوك تعكس خللا في القيم وانحرافا في الاتجاهات على مستوى الضوابط والمعايير التي استقرت في حياة الجماعة وشكلت البناء القيمي في كيان الوظيفة العامة.

   يلاحظ أن تعاريف الفساد الإداري تتباين باختلاف وجهات النظر المختلفة وباختلاف الدراسات التي تمت في الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية.

ورد تعريف للفساد الإداري في موسوعة العلوم الاجتماعية بأنه "سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح ومنافع خاصة.

كما عرّف "أوستر فيلد" الفساد الإداري بأنه: الأعمال التي يمارسها أفراد من خارج الجهاز الحكومي وتعود بالفائدة على الموظف العام لإغرائه للسماح بالتهرب من القوانين والسياسات المعمول بها. أو إجراء تغير في القوانين والسياسات، سواء باستحداث قوانين جديدة أو بإلغاء قوانين قائمة لتمكينهم من تحقيق مكاسب مباشرة فورية.

 وعرّفه بتعريف آخر يمثّل في الأعمال التي يقوم بها العاملون في الجهاز الحكومي، بهدف الحصول على مكاسب لهم ولعائلتهم وأصدقائهم وذلك من خلال استخدام موقعهم لطلب أو قبول منافع لهم من الأفراد مقابل تقديم خدمات مباشرة وفورية، أو  استحداث أو إلغاء قوانين أو سياسات تتحقق عن طريقها مكاسب مباشرة لهم[1].

   يرى الباحثون أنّ تعريفات الفساد الإداري تتراوح بين التشديد الموجود عند المحافظين والتساهل عند أنصار الفلسفة الواقعية والميكافيلية

فالمحافظون يعرّفونه بأنّه مجموعة الأعمال المخالفة للقوانين والهادفة إلى التأثير بسير الإدارة العامة أو قراراتها أو أنشطتها بهدف الاستفادة المادية المباشرة أو الانتفاع غير المباشر.

أمّا عند الواقعيّين فهو تصرف استثنائي أفرزته بعض الظروف ، ويعرفونه بأنه: "طريقة بديلة لأداء الأشياء تغاير الطريقة المألوفة أو الطريقة المحددة رسميا".

  وما يمكن ملاحظته من خلال تعريف المحافظين أنّه (انحراف عن القيم والأخلاق الاجتماعية والدينية المستقرة والشائعة لدى أغلبية السكان)[2]

   إن الرؤية التقليدية تعزي الفساد الإداري إلى عوامل أخلاقية ودينية وشخصية ، فالفساد هنا نتاج تصدع أخلاق المجتمع أو تشوه للإيمان الديني أو الحماس العقائدي والإيديولوجي والسياسي ومن ثم فإنه وفقا لهذا الرؤية ، فإن مواجهة الفساد تكون من خلال الملاحقة الأمنية وإعادة بناء الإنسان وفق نموذج إيماني وعقائدي.

   في حين أنّ الفساد الإداري عند فئة المتساهلين بسبب تفهمهم لأسبابه وظروفه البيئية ، فإنّه (سلوك غير رسمي، بديل للسلوك الرسمي تحتمه ظروف واقعية ويقتضيه التحوّل الاجتماعي والاقتصادي الذي تتعرض له المجتمعات)[3]

   يشبه الفساد الإداري بأنه (الزبدة التي توضع على القوانين)[4]

ويرى آخرون أن الفساد الأخلاقي عبارة تطلق على الوضع المضطرب الذي يشوب العمل الإداري، سواء من حيث تفشي الرشوة بين الموظفين، أم من حيث التقاعس والإهمال في تسيير المعاملات.

ويتضمن الفساد انتهاكا للواجب العام وانحرافا عن المعايير الأخلاقية في التعامل ، ومن ثم يعد هذا السلوك غير مشروع من ناحية ، وغير قانوني من ناحية أخرى[5]

   ويرى بعض الباحثون أن الفساد الإداري يتمثّل في (تلك السلوكيات المخالفة للقوانين والأنظمة التي تتعارض مع القيم والأخلاقيات المجتمعية والوظيفية لتحقيق مصالح مادية أو معنوية على حساب المصلحة العامة ، وبشكل متعمد ومقصود سواء تم ذلك بصورة سرية أم علنية)[6]

والنتيجة أنّ كل محاولة لوضع المصلحة الشخصية فوق المصلحة العامة بصورة مشروعة أو غير مشروعة يعدّ فسادا

العلاقة بين الفساد المالي والإداري.

   من خلال التعاريف السابقة لمفهوم الفساد المالي والإداري نرى أن مسألة المفاهيم والتعاريف مسألة معقدة، نجم عن ذلك اختلاف في وجهات النظر واختلاف في مضامين الدراسات التي تناولت الفساد الإداري، ولكن نلاحظ أن هناك تداخلا وتشابها بين الفساد الإداري والفساد المالي ، فمن المعروف أنه إذا فسدت الإدارة فسدت الأموال.

ويلاحظ أيضا أن بينهما علاقة ، حيث إن طبيعة العمل الرقابي الإداري وكذلك العمل الرقابي المالي يظهر فيه التداخل والتشابك ذلك أن الخلل الإداري ينتج عن خلل مالي والخطأ المالي منتج عن خطأ إداري وهكذا ، والفساد المالي بشكل عام سلوك شبه منحرف ، يترتب عليه خسائر مادية كبيرة ويؤثر في تنمية الوطن ومن ثم على الدولة بأكملها ، مما يحملها أعباء قد تكون في غنى عنها كالديون، وقد تتدهور سياسة الدولة إن انتشر هذا الفساد ، ولم تتحكم في المال العام لذلك نجد أنّ  النظام الإسلامي قد أرسى ضوابط وقواعد فريدة في الإنفاق العام فمن هذه القواعد الضابطة للاتفاق العام: نجد قاعدة الصالح العام والتي بمقتضاها حصر الإنفاق العام في تحقيق المصلحة العامة للمسلمين، ومنها قاعدة الاستخلاف (المسلم مستخلف في مال الله) وقاعدة القوامة في الإنفاق وعدم الإسراف والتبذير ومنها قاعدة التخصيص التي بمقتضاها يتم تخصيص أنواع الإنفاق في مجالاتها كالزكاة يتم انفاقها في المصاريف المشار إليها بالقرآن. ومنها قاعدة الشرعية والرقابة الذاتية على الإنفاق العام[7].

أما الفساد الإداري بشكل عام هو تصرف إداري شاذ ينتج عنه هدر لحقوق الآخرين ومستحقاتهم وتقديم غير الفاضل على المفضول، وعدم احترام اللوائح والأنظمة الإجراءات الإدارية ، ويتفق مع الفساد المالي أنه يدخل ضمن إساءة استعمال السلطة في الوظيفة العامة ، حيث إن فساد الإدارة العليا والدنيا ينتج عنه هدر للمال العام وإسراف وتبذير للأموال العامة.

   غير أنّ بعض الباحثين[8] يرون أن الفساد الإداري يختلف عن الفساد المالي من حيث إنه سلوك إداري صميم، أظهرته عوامل اجتماعية وشجعته فئات من المجتمع بالإضافة إلى أنه عمل لا أخلاقي وغير سويّ ناتج عن ضعف الوازع الديني والأخلاقي؛ حيث يدخل في حكم فساد الوظائف الإدارية العمليات السياسية مثل: استغلال النفوذ والارتشاء والمحسوبية، الوساطة وتزوير العمليات الانتخابية وشراء الأصوات وتزوير نتائج الاقتراع... الخ.، أما الفساد المالي فهو القدرة على الإفلات من أجهزة الرقابة المالية عن المؤسسات والأجهزة الحكومية.

خلاصة القول ، إن هناك علاقة بين الفساد المالي والفساد الإداري ، إلا أن الفساد الإداري بتعدد صوره يعد أكثر شمولا من الفساد المالي ، وكلاهما فساد والفساد الإداري تجتمع فيه في كثير من الأحيان جريمتي الفساد المالي والإداري حيث يدخل في حكمها نهب المال العام ، الاختلاس ، تبذير المال العام مثل الزيادة في فواتير مشتريات الإدارة العامة، وإبرام عقود صورية، وصرف المال على أمور شخصية ، وتفويت أملاك الدولة لأغراض شخصية... الخ.



[1] خالد بن عبد الرحمن بن حسين بن عبد آل الشيخ: "الفساد الإداري: أنماطه وأسبابه وسبل مكافحته دراسة تطبيقية"، لنيلة درجة الدكتوراه في الفلسفة في العلوم الأمنية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض 2007، ص 21.

[2]  عامر الكيسي: "الفساد الإداري رؤية منهجية للتشخيص والتحليل والمعالجة"، منشورات المجلة العربية للإدارة المجلد 20، العدد الأول، 2000، ص 88.

3  الفساد الإداري: أنماطه وأسبابه وسبل مكافحته دراسة تطبيقية"، لنيلة درجة الدكتوراه في الفلسفة في العلوم الأمنية، ص24

[4]  سليمان بن محمد الجراش: "الفساد الإداري وجرائم استغلال السلطة ألوظيفية مكتبة الملك فهد بن عبد العزيز الوطنية، الرياض، الطبعة الأولى 2003، ص 113.

[5]  شتاء السيد: "الفساد الإداري ومجتمع ألمستقبل المكتبة المصرية ألإسكندرية الطبعة الأولى 1999، ص 44.

[6]  الفساد الإداري: أنماطه وأسبابه وسبل مكافحته دراسة تطبيقية"، لنيلة درجة الدكتوراه في الفلسفة في العلوم الأمنية، ص26

[7]  صدقي عبد أللطيف "أنظمة الرقابة على المال العام في الشريعة الإسلامية والقانون ألوضعي رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية الآداب والعلوم ألإنسانية الرباط، ص 29.

[8]  عبد الله بن ناصر بن عبد الله الغصاب: "منهج الشريعة الإسلامية في حماية المجتمع من الفساد المالي والإداري"، مرجع سابق، ص 95.


المحاضرة الثانيّة

الفساد المالي

مفهوم الفساد المالي: تعتبر ظاهرة الفساد المالي ظاهرة عالمية واسعة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ أبعادا واسعة وتتداخل فيها عدة عوامل، فهي تعترض عملية التطور والبناء في المجتمعات والبلدان على المستويين العام والخاص، لأنها تهدف إلى تغليب المصلحة الفردية على المصالح العامة بطرائق غير مشروعة، وأصبحت تهدد جميع مجالات الحياة ولا يمكن القضاء عليها إلا من خلال تضافر كافة الجهود الرامية إلى تجفيف منابعها وتشخيص مسبباتها ومحاولة علاجها بصورة جذريّة

فقد عرفوه بأنه " تلك الانحرافات المالية المبنية على مخالفة القوانين والأنظمة ومختلف الأحكام المعتمدة في أي مؤسسة أو تنظيم كالاختلاسات، التهرب الضريبي.

وهناك تعاريف أخرى: "هو ذلك السلوك المنافي للقوانين والأخلاق والقائم على الأخلاق بالمصالح والواجبات العامة من خلال استغلال المال العام لتحقيق مصالح خاصة".

وعرف أيضا: "هو عبارة عن مجموعة من المخالفات السلبية التي يرتكبها الفرد الموظف عند إنجاز المعاملات المالية، سواء ما يرتبط منها بالمصلحة العامة أو بمصلحة المواطنين الذين يتعاملون مع المؤسسة

مظاهر وأشكال الفساد المالي:

- الإسراف ونهب المال العام: نجد هدر وتبديد الثروة العامة بشكل سري دون وجه حق، والتي تتمثل بمنح الإعفاءات الضريبية والجمركية أو تراخيص لشركات لغرض تحقيق مصالح متبادلة على حساب المال العام تحت ذريعة المساعدات وتمرير السلع عبر منافذ السوق السوداء وغيرها من المسميات التي تتم بطريقة مخالفة للقواعد والأحكام المالية.

- تهريب الأموال: يمثل أحد مظاهر الفساد المالي التي تحدث عندما يتم الاستيلاء على الأموال بطريقة غير شرعية من قبل بعض المسئولين الكبار وذلك من خلال استخدام نفوذه وصلاحيته بموجب القانون والقيام بتحويلها إلى الخارج.

- تبييض الأموال: يرتبط هذا الشكل بما ورد أعلاه حيث نجد المسئول عندما يستولي على المال العام بطريقة غير شرعية يتم إدخالها إلى القنوات الرسمية بهدف إعطائها الصفة الشرعية وتصبح كأنها أموال مكتسبة بطريقة مشروعة وتتم من خلال استخدام عملية التحويل عن طريق البنوك. 15

  -مخالفة القواعد والأحكام المالية والقانونية: يكون ذلك من خلال الافتقار إلى النزاهة والشفافية في التصرفات المالية، وتحدث عندما تكون هناك علاقات عاطفية أو اجتماعية بين المسئولين الكبار وأشخاص آخرين متمثلين بأقاربهم أو أولادهم فيتم إحالة الصفقات المالية والمشاريع لهم بهدف الحصول على الأموال وليس تنفيذا للصفقة.

- إدارة الأرباح لمصلحة الإدارة التنفيذية: تسمى بالإدارة الفاسدة للأرباح، وتتمثل بمحاولات الإدارة لتظليل الأرباح المفصح عنها، وذلك بسبب مرونة المعايير المعمول بها من خلال استخدام أساليب محاسبية معينة، مثل تعجيل أو تأجيل الاعتراف ببعض المصروفات، والقيام بتمهيد الدخل وغيرها من الأساليب الأخرى بهدف تحقيق مصالح خاصة أو التأثير في العلاقات التعاقدية بين الإدارة والمالكين

 

- اختلاس الأصول: يقصد به عملية التصرف بالأصول المملوكة للمؤسسة الاقتصادية بطرائق مخالفة للأحكام المالية، مثل سرقة النقدية الموجودة في الصندوق أو البنك، وكذلك عدم تسجيل الديون المسترجعة من المدينين في السجلات، فيتم اختلاس المبلغ مباشرة، واعتبار ذلك المبلغ دينا معدوما بعد مضي فترة من الزمن، وتنتشر هذه الحالات نتيجة الضعف الحاصل في نظم المعلومات المحاسبية للمؤسسة، وضعف دور أجهزة الرقابة الداخلية في مكافحة مثل هذه الحالات التي تمثل الفساد المالي بعينه.

- الغش: يعرف على أنه " تقديم معلومات مضللة ذات أهمية نسبية بشكل مقصود، وينتج عنه أضرار مادية للمستخدم الذي يعتمد عليها"، ويوجد هناك ثلاثة مجالات للغش هي: التلاعب بالبيانات والقوائم المالية، والفساد، وكذلك التلاعب بالموجودات وملكيتها.

ثانيا- الظروف الأساسية لحدوث عمليات الغش: يوجد ثلاثة شروط ضرورية ورئيسية متعلقة بالغش، فإذا ما توافرت في مجال معين فإن ذلك يؤدي إلى حالات غش وتلاعب يتم ارتكابها من قبل بعض العاملين في المؤسسة وهي:

 1 -الضغوط: تتمثل بالضغوطات التي تواجه العاملين أثناء عملهم وتعتبر بمثابة الحافز الذي يساعد على اقتراف حالات غش واحتيال، حيث إن هنالك ثلاثة أنواع من الضغوطات المنتشرة في الواقع العملي بين الأفراد العاملين بالمؤسسة وهي:

1.1 -الضغوط أو الدوافع المالية: هي التي تنشأ بسبب قضايا تتعلق بالجانب المادي وقد ترتبط إلى حد كبير مع الأسباب الاقتصادية للفساد المالي المتمثلة بتدنية رواتب وأجور العاملين وارتفاع تكلفة العيش، وعدم توافر العدالة الضريبية وارتفاع الديون والخسائر المالية وما شبه ذلك.

 2.1-الضغوط أو الدوافع العاطفية: يحدث هذا النوع من منطلق المشاعر العاطفية وبعض المشكلات النفسية التي يحس بها الفرد، وتتمثل بعدم الرضا الوظيفي نتيجة لسياسات التهميش والإقصاء التي تمارسها الإدارة بحق العاملين والخوف من فقدان المنصب والطمع وغيرها.

3.1-نمط الحياة: يتعلق هذا النوع بسلوك العاملين، من خلال كيفية تدبير الأموال اللازمة لأجل ديمومة حياته الخاصة وما يتعلق بها من أمور أخرى كالضغوط العائليّة.

2- المبررات: يمكن تبرير ارتكاب الفساد المالي عندما يكون هنالك أفراد لديهم القدرة على ذلك وبطرائق معينة تجعل من صاحبها تبرير سلوكه غير المشروع الذي ارتكبه باعتباره متفقا مع قواعدهم الأخلاقية، ومثال على ذلك عندما يسرق أمين الصندوق أو من له صلاحية التصرف في مال الصندوق، فعند اكتشافه من قبل الجهة الرقابية يقوم بتبرير ذلك من خلال ادعائه بأنه أخذها لحاجته الماسة في الوقت الحالي وأنّه سوف يعيدها لا حقا

3 – الفرص: تتمثل بوجود ثغرات في النظام الرقابي والإداري على حد سواء أو عدم فعالية نظام الرقابة الداخلية المطبق في المؤسسة الاقتصادية، مما يسمح بتوفير بيئة حاضنة في طياتها كل ما يترتب عليه من مخالفات متعلقة بالأحكام والتعليمات المالية وتكون أكثر ملائمة لحدوث وتكرار حالات الفساد المالي.

 كما يوجد بعض المدرين يستغلون صلاحيتهم ومناصبهم الإدارية، فهي تمثل لهم بمثابة فرص جيدة يتمكنوا من خلالها الالتفاف على إجراءات نظام الرقابة الداخلية المطبق في المؤسسة الاقتصادية بطرق غير قانونية، حيث إن بعض الإدارات العليا لا تسعى إلى أن يكون جهاز رقابي فعالا وذا استقلالية تامة، لأن ذلك يتعارض مع مصالحهم الشخصية.

أهم قضايا الفساد التي مست المؤسسات الجزائرية:

الجدول رقم (02 ): أهم قضايا الفساد التي مست المؤسسات الجزائرية

لقضية

السنة

قيمة الخسارة

شرح موجز

بنك الخليفة

2003

5 مليار دولار

مصرح عنها وما بين 3 إلى 5 مليار دولار حسب المتتبعين

تورط عدة شخصيات مرموقة ومسؤولين كبار في الدولة، وصدر في حق المؤسس عبد

المومن خليفة حكم غيابي سنة 2004 بـ 5 سنوات سجن وغرامة 85 مليون دولار لارتكابه مخالفات مصرفية، ثم صدر حكم غيابي جديد في مارس 2008 بالمؤيد، تسلمته الجزائر في ديسمبر 2013 لتنطلق محاكمته من جديد

البنك التجاري

والصناعي

2003

13 مليار دينار ج

فرار المدير العام إلى فرنسا التي لم تسلمه الى الجزائر، حكم على المؤسس محمد خروبي ب10 سنوات سجن بتهمة التملك غير المشروع واختلاس أموال عمومية.

قطاع السكن

والعمران

2003

غير معلومة

أثبتت التحقيقات التي أجريت بعد زلزال بومرداس أن البناء غير مطابق لشروط

السلامة، أي أن هناك اختلاسا للأموال المخصصة للبناء.

الصندوق الجزائري

الكويتي للاستثمار

2005

30 مليون دولار

أدين بالاختلاس ويوجد مجموعة كبيرة من المتهمين من بينهم المدير العام للصندوق

وزوجته اللذان فرا إلى الخارج

الفساد في قطاع

الجمارك

2006

غير معلومة

تم فصل 100 جمركي ورفعت دعاوي قضائية ضد 530 موظف للتورط في العديد من قضايا الفساد، كما عرض 80 ملف على الس التأديبي الخاص بالجمارك، وشملت العديد من التحقيقات على عمليات الاستيراد التي يشتبه في تخفيض قيمتها وعمليات أخرى تم تضخيم قيمتها دف تبييض الأموال أو تحويل العملة الصعبة للخارج

قطاع المحروق

2010 و 2013

غير معلومة

عرف هذا القطاع العديد من قضايا الفساد من بينها تلقي رشاوى لمنح الصفقات

والمشتريات وإنجاز مقرات جديد لشركة سوناطراك، تورط في هذه القضايا العديد من كبار المسئولين في الشركة ويتعلق الأمر بإبرام صفقات نفطية مشبوهة (صفقات

بالتراضي) مع شركاء أجانب كلفت شركة سوناطراك خسائر مادية معتبرة

المصدر: شعبان فرج، الحكم الراشد كمدخل حديث لترشيد الإنفاق العام والحد من الفقر، أطروحة دكتوراه، تخصص نقود ومالية، علوم اقتصادية، جامعة الجزائر، 3 الجزائر  2011-2012، ص 276 – 279.

 

أهم الهيئات المكافحة للفساد المالي في الجزائر

الهيئة

التأسيس

الوزارة

أهم المهام

مجلس المحاسبة

1980

هيئة مستقلة

مراقبة كل العمليات المالية للدولة ورقابة كل الأموال العمومية مهما يكن الوضع

القانوني لمسيري هذه الأموال أو مستفيديها

هيئة وسيط الجمهورية

1996 وتم حلّها في سنة 2002

هيئة مستقلة

تهتم أساسا بالنظر في شكاوي المواطنين والموظفين في حالة تعسف السلطة

التنفيذية، وتقوم بتقديم حلول للمشاكل المطروحة وتحولها إلى السلطات العليا

الهيئة الوطنيّة للوقاية من الفساد ومكافحته

2006

هيئة مستقلة

 تهتم باقتراح سياسة شاملة للوقاية من الفساد وتكرس مبادئ دولة الحق والقانون وتعكس النزاهة والشفافية والمسؤولية في تسيير الممتلكات والأموال العمومية والمساهمة في تطبيقها

الديوان المركزي لقمع الفساد

2011

وزارة الدفاع الوطني ووزارة المالية

أداة عملية في مجال مكافحة كل أشكال المساس بالمال العام وهو هيئة مركزية

للضبطية القضائية مكلفة بالبحث وتسجيل المخالفات في إطار قمع الفساد

 

 

 

 

 

 


المحاضرة الأولى

جوهر الفساد

توطئة:

   يعدّ الفساد ظاهرة قديمة، ولا يكاد يخلو عصر من العصور من هذه الظاهرة، وهو سبب تخلّف الأمم وتقهقرها، وهو سبب كلّ الأمراض التي تطيح بأحلام أبناء الأمّة وشبابها، كما يعدّ الفساد أكبر المشكلات العالمية الّتي تجمع كلّ المؤسسات - محليّة كانت أم دولية - على عدّها العقبة الرئيسيّة أمام الإصلاحات المختلفة من تنمية واستثمار صحيح، وانفتاح على الصناعات لبناء اقتصاد متماسك.

  وقد انتشر هذا الداء في كثير من دول العالم انتشار النّار في الهشيم وبخاصّة دول العالم العربي، وصار مرضا سرطانيّا تفشّى في مختلف مجالات الحياة زارعًا الفشل والتّراجع الكبير في مسار التقدم والتنمية، ممّا ساهم في تراجع وتقهقر هذه البلدان وتخلّفها في مختلف المجالات.

   كما أنّ ارتفاع مؤشر الفساد - في أيّ مجتمع – يشير بشكل واضح إلى تدنّي الرقابة الحكوميّة، وضعف القانون، وغياب التشريعات. كما أنّ الفساد قد ينشط نتيجة لغياب المعايير والأسس التنظيمية والقانونية وتطبيقها، وسيادة مبدأ الفردية بما يؤدّي إلى استغلال الوظيفة العامّة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعاتية على حساب الدور الأساسي للجهاز الحكومي، وهو ما يلغي مبدأ العدالة، وتكافؤ الفرص، والجدارة، والكفاءة، والنّزاهة.. ولذلك يعدّ الفساد آفة خطيرة قاتلة للمجتمع المعاصر. فهو ظاهرة وبائية تدمّر النفس البشرية وتهدّم القيم والأخلاق، ناهيك عمّا يسبّبه من شلل في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والّتي تنطوي على تدمير الاقتصاد.

أوّلا جوهر الفساد:

تعد ظاهرة الفساد ظاهرة قديمة قدم المجتمعات الإنسانية فقد ارتبط وجودها بوجود الأنظمة السياسية و هــي ظاهرة لا تقتصر على شعب دون آخركما أنها تختلف حسب بيئة و طبيعة النظام السياسي ، ففي الأنظمة الاستبداديـــة والشمولية تكون هناك بيئة مشجعة  أكثر على الفساد ، بينما تقل ظاهرة الفساد في النظم الديمقراطية التي تقوم على احترام حقوق و حريات الإنسان و الشفافية في التسيير و المسائلة و فرض احترام سيادة و سلطة القانون.

           و للأسف لم تكن الجزائر في موضع أفضل من باقي دول العالم التي استشرى فيها الفساد بمختلف أنواعــــه و مستوياته سواء المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي و حتى المستوى الثقافي و الرياضي.. و صار الفســـاد في الجزائر حالة مرضية معقدة تقف عقبة كئود أمام عملية الإصلاح و التنمية و الاستثمار الصحيح و هذا برغم  تصـدي المشرع الجزائري لهذه الظاهرة عن طريق مجموعة من القوانين.

الفساد لغة:  الفساد في معجم اللغة هو في (فسد)  ضد (صلح) و (الفساد) لغة البطلان: فيقال فسد الشيء أي بطل و اضمحل، و الفساد في الشريعة الإسلامية يستمد معانيه من القرآن الكريم حيث ذكر في أكثر من خمسين آية كلها تنهي و تحذر منه و بعضها حدد صراحة  جزاء المفسدين[1] و يأتي التعبير على معان عدّة بحسب موقعه فيه فيعني "الجدب أو القحط" كما في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقــهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)[2]، ويأتي بمعنى "الطغيان و التجبر" كما في قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتـلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عـــذاب عظيم)[3]، وتدل هذه الآية الكريمة على أن القرآن الكريم شدّد على تحريم الفساد وأنّ جزاء  مرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا و العذاب الشديد في الآخرة.

الفساد اصطلاحا: ليس هناك تعريف محدد للفساد و إنما هناك توجهات مختلفة لتعريفه فهناك من يعرفه علــى أنه  "خروج عن القانون و النظام(أي عدم الالتزام بهما)و استغلال غيابهما من أجل تحقيق مصالح سياسية و اجتماعية و اقتصادية للفرد أو لجماعة معينة"، بينما يعرفه آخرون على أنه :"هو قيام الموظف العام و بطرق غير سويــة بارتكاب ما يعد إهدارا لواجبات و وظيفته ، فهو سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام تطلعا إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية" ، كما أن البعض يوسع مفهوم الفساد فيعرفه:" هو كل سلوك يجافي المصلحة العامة" و عرفه آخرون: "هو الانحراف الأخلاقي لمسئولين في الإدارة و الحكومة"

       حددت "منظمة الشفافية الدولية" تعريف للفساد: "هو كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعية"[4]

       التعريف المعتمد الذي استخدمته مؤسسة البنك العالمي هو:"هو الاستغلال السيئ للوظيفة العامة الرسمية من أجل تحقيق المصلحة  الخاصة" و يندرج تحت الاستغلال السيئ ما يلي:

العمولات- الرشاوى- تحويل الأموال- الوساطة و المحسوبية في تقلد الوظائف العامة- التهرب الضريبي-تضخيم الفواتير- الغش الجمركي-إفشاء أسرار العقود و الصفقات....

          و قد اختارت "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003" ألا تعرف الفساد تعريفا فلسفيا أو وصفيا ، بل انصرفت إلى تعريفه من خلال الحالات التي يترجم فيها الفساد إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع و من ثمة تجريمها وهي:

الرشوة بجميع وجوهها في القطاعين العام و الخاص- الاختلاس- المتاجرة بالنقود و إساءة استغلال الوظيفة- تبيض الأموال و الثراء غير المشروع...(3).

o      نص المشرع الجزائري في المادة 2  من القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20/02/2006 متعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته عل المقصود من مفهوم الفساد" الفساد: كل الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من هذا القانون"  و هذه الجرائم هي:

-       رشوة الموظفين العموميين -الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية

-       اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي

-       استغلال النفوذ

-       إساءة استغلال الوظيفة....

 



[1]  عامر الكبيسي، الفساد والعولمة تزامن لا توأمة،. ط 1/2005، ص8.

[2]  سورة الروم، الآية 41

[3]  سورة المائدة، الآية 33

[4]  منظمة الشفافية الدولية.