المحاضرة الرابعة:
التدريس وعلم النفس التربويّ
معلوم أنّ علم النفس التربويّ يزوّد المدرسة بالمعلومات والمفاهيم والمبادئ والطرائق التجريبيّة والنظريّة التي تساعد في فهم عمليّة التعلّم والتعليم وتقويّة كفاءة المعلّم والمتعلّم. ولم يعد علم النفس التربويّ كما كان في الماضي مجرّد تطبيق للمعرفة التي يستقيها من علم النفس العامّ ولكن صار هو من يقوم بالتجريب بطريقة علميّة على المواقف الصفيّة الطبيعيّة وتحويل نواتج هذه الدراسات الى مبادئ عامّة يمكن أن تفيد المدرّس في عمله بعد التأكد من نتائج تطبيقها صفيّا ليصبح علما نظريّا وتطبيقيّا في الوقت نفسه، فهو نظريّ لأنّه يسعى إلى اكتشاف المعرفة بطرائق علميّة، وتطبيقيّ لأنّه يهدف الى تطبيق معطياته ومعطيات علوم النفس الأخرى في حلّ المشكلات التعليميّة في قاعة الدرس.
التدريس/التعليم عمليّة عقليّة معقّدة
ترتبط فيها كثير من العوامل النفسيّة والفسيولوجيّة والعقليّة والاجتماعيّة كما أنّها تتأثّر بجملة من الظروف داخل الصفّ إضافة الى عناصر العمليّة التعليميّة التعلميّة المتمثّلة في المدرس والطالب والمنهاج وما يرتبط بعوامل كلّ عنصر منها، يتوقف عليها نجاح العمليّة التعليميّة التعلّميّة.
الفرق بين التدريس والتعليم؟
التدريس: يقابله في اللغة الفرنسيّة Enseignement وفي الإنجليزيّة Teaching أمّا التعليم فيقابله في الفرنسيّة Éducation وفي الإنجليزيّة Education ويرى البعض أنّ التعليم جزء من التدريس الذي هو أعمّ وأشمل.
التعليم عند "أندرسون وبيرنز" نشاط تفاعليّ بين المعلّم وطلابه، يعتمد على الاتّصال اللفظيّ بشكل رئيسيّ بغرض مساعدة الطلاب على التعلّم أو بغرض إحداث تعديل مقصود في سلوكهم"
أمّا التدريس عندهما فهو "هو ظاهرة معقّدة متعدّدة الأبعاد، غرضها أن يتعلّم الطلبة قسماً منظّماً من المعرفة والمهارات، وفق المتطلّبات التي تقتضيها طبيعة المادّة نفسها وخصائص المعلّم وطلبته، في إطار منظم من الإجراءات والأنماط السلوكيّة التي يقوم بها الطلبة فرادى أو في مجموعات، خلال زمن معيّن ، يحركّها المعلّم بما يتبعه من أساليب وطرائق تدريس" فالتدريس عمليّة مقصودة تستفيد من القوانين التي كشف عنها علم التعلّم.
التعلّم علم، والتدريس تكنولوجيا حيث يتمّ فيها تطبيق وتوظيف ما كشف عنه العلم في مواقف تعليميّة وتربويّة. ويرى البعض أنّ عمليّة التدريس " عمليّة منظّمة يمارسها المدرّس، بهدف نقل ما في ذهنه من معلومات ومعارف إلى المتعلّمين الذين هم بحاجة إلى تلك المعارف، والتي تكوّنت لديه بفعل الخبرة، والتأهّل الأكاديميّ والمهنيّ ".
وعليه فان عمليّة التدريس إجراء تطبيقيّ يستخدم ما كشف عنه علم التعلّم في مواقف تعليميّة وتربويّة داخل الصفّ المدرسيّ وخارجه [1].
إنّ تعريف التدريس يظهر مجموعة من الأبعاد هي مكوّنات عمليّة التدريس وتتمثّل في:
1- الغرض "But" فالتدريس عمليّة هادفة لها غرض محددّ يكمن في تعلّم جسم من المعارف وكسب مهارات واتّجاهات مرغوبة.
2- المطالب: "Demandes" للتدريس مطالب تحدّدها طبيعة المادّة وخصائص المتعلّمين وسمات المعلّم وواقع المدرسة وإمكاناتها.
3- التصميم: " Conception/ Format" ويشمل الاستراتيجيّات وطرائق التدريس التي يتّبعها المعلّم في تحقيق التعلّم.
4- التنظيم الصفي: " Organisation de classe" كيفيّة تنظيم تعلّم الطلاب، هل سيكون تدريساً جماعيّا على مستوى الصفّ بأكمله كمجموعة واحدة، أم على مستوى مجموعات تعلم، أم تعليماً فرديّاً.
5- وقت التدريس: "Temps d'enseignement" أيّ الفترة التي يستمر بها التدريس، ووقت حدوثه، ونظراً لشمولية التدريس فهو يحتاج إلى وقت طويل، في حين أن التعليم يكون آنياً، أيّ يتم في زمن قصير .
6- التعليم: "Éducation" ويهتم بالتفاعل بين المعلّم والطلاب، ويركّز على سلوك كلّ منهما على انفراد أو بشكل مجتمع.
ممّا سبق يتّضح لنا أنّ التعليم لا يشكّل سوى أحد مكوّنات التدريس، فالتعليم هو تفاعل صفيّ يحدث داخل حجرة الدراسة في حين أنّ التدريس عمليّة شاملة معقدة متعدّدة الأبعاد والمكونات[2].
هل التدريس علم أم فنّ؟
اختلف الباحثون في ذلك فمنهم من رأى أنّ:
* التدريس علم: له أصوله وقواعده التي تساعد في فهم التدريس وتفسير ما يحدث في بيئة التعلّم، والتنبّؤ بما يحدث فيها تمهيداً للسيطرة على مجريات هذه العمليّة وتوجيهها نحو الأفضل، وبخاصّة للمبتدئين لأنّه يساعدهم في كسب المهارات الأساسيّة اللازمة لممارسة المهنة، وبعد إتقان هذه المهارات يأتي دور البراعة أو الفن.
* التدريس فنّ: حيث إنّ بعض مظاهره ذات طابع فرديّ أو شخصيّ، تؤدّي خبرة المعلّم وقيمه وعاداته ومفهومه للتدريس دوراً مركزيّا. ولذلك نجد اختلاف المعلّمين في تعاملهم مع المواقف التعليميّة التعلميّة المتنوّعة وتظهر براعتهم في استغلال المواقف والفرص المتاحة لجذب انتباه طلابهم لدفعهم إلى المشاركة في مختلف نشاطات التعلّم بشغف واهتمام[3] .
ويجب أن نفهم أن عمليّة التدريس لا يتوقّف دورها على تزويد الأفراد بالمعرفة والمعلومات فحسب لكن أيضا كيف تعطى هذه المعلومات للمتعلّمين، وهنا يمتزج العلم بالفنّ ذلك أنّ ما عليه المعلّم (مظهر فنيّ) يمتزج بما يستخدمه في تدريسه (مظهر علمي) لتحديد ما يقوم به أثناء التدريس. فهو يتعلّم في معاهد التربيّة الجانب العلمي في التدريس، وذلك من خلال تعليمه مختلف استراتيجيات التدريس وتدريبه على ممارستها في مختلف المواقف التعليميّة ليتحصّل على الكفاءة التي تحوّله مع الزمن إلى أستاذ متميّز لنصل أخيرا إلى أنّ هذه الآراء تتّفق على اعتبار التدريس (العمليّة المقصودة والمنظّمة التي تتمّ وفق إجراءات مخطّط لها وتسعى إلى تخطيط أهداف معيّنة لدى المتعلّمين)[4]وأثناء عمليّة التخطيط لها وتنفيذها وتقويم نتائجها وحلّ مشاكلها يتدخّل علم النفس التربويّ ليزوّد (المعلّمين بالمعرفة العلميّة المنظّمة التي من شأنها أن تساعدهم على اتّخاذ القرارات المناسبة حيال المتغيّرات ذات العلاقة بعمليّة التعلّم والتعليم الصفّي)[5].
أنواع القرارات التي يتخذها المربوّن[6].
أوّلا القرارات المتعلّقة بأشكال التعلّم وكيفيّاته.
يزوّد علم النفس التربويّ المعلّمين بنتائج الأبحاث والدراسات المتعلّقة بسير القسم، وما يؤثّر فيها من عوامل، كما يقدّم لهم مختلف أشكال التعلّم وكيفيّاته وطرائق التعامل معها، وذلك من خلال التعرّف على المبادئ والقوانين التي تتحكّم في اكتساب المعلومات الخاصّة بكلّ شكل وهو ما يمكّن المعلّمين من اختيار الطرائق المناسبة والوسائل والأساليب المناسبة لهذه الموافق التعليميّة التعلميّة التعليميّة المختلفة لتذييل كلّ الصعوبات التي تعترض المتعلّمين.
ثانيّا: القرارات المتعلّقة بالأهداف ونواتج التعلّم
الأهداف هي ما يريد المعلّم الوصول إليها مع متعلّميه، أيّ النتيجة التي يصل إليها، وهو لا يمكنه الوصول إلى ما يريد إلا بعد التخطيط المسبق؛ فيختار – معتمدا على خبرته - ما يراه مناسبا، وينفّذه ثمّ يجري عمليّة التقويم ليتأكّد من نجاعته. وهو في هذا كلّه في حاجة إلى علم النفس التربويّ الذي يساعده على تحديد أنواع نواتج التعلّم التي يريد الوصول إليها من حيث صياغتها وتنويعها، وهو ما يجعله يؤدّي واجبه في سهولة ويسر.
ثالثا: القرارات المتعلّقة باختيار طرائق التدريس وأساليبها
تختلف الطرائق وتتباين في أهميّتها وفعاليّتها تبعا للأنشطة وتنوّع مواضيعها وتنوّع المتعلّمين وخصائصهم، ذلك أنّ اتباع طريقة واحدة مع كلّ الأنشطة وفي كلّ المواد ومع المتعلّمين جميعهم لا يمكن أن يساعد المعلّم على تحقيق أهدافه التي حدّدها. فأسلوب المحاضرة / الإلقاء لا يناسب نشاط الرياضيّات مثلا، بل إنّ اعتماد السرد لمدّة طويلة لا يؤدّي النتائج المرجوّة مع الأطفال، إلا إذا كانت على شكل القصّة. وما يقوم به علم النفس التربويّ هو أن يمكّن المعلّمين من تنويع طرائقهم وأساليبهم التدريسيّة تبعا لطبيعة المادّة أو النشاط وبخاصّة تنوّع المتعلّمين.
رابع: القرارات المتعلّقة بالمشكلات الصفيّة.
يتعرّض المعلّم وهو في قسمه إلى جملة من المشكلات المختلفة منها ما له علاقة بالتعليمات المدرسيّة، وإدارة الصفّ، أو لها علاقة بطبيعة المواد والمناهج الدراسيّة، أو له علاقة بالمتعلّمين ومشاكلهم النفسيّة والتحصيليّة. وهو ما يتطلّب منه الحذر في حلّها والتعامل معها ولا يجد ذلك إلا في علم النفس التربويّ.
خامسا: القرارات المتعلّقة بخصائص الطلبة وحاجاتهم
القسم أو حجرة الدرس وسط اجتماعيّ يجمع كثيرا من الأفراد المختلفين في اهتماماتهم وخصائصهم وميولاتهم وحاجاتهم تبعا لاختلاف العوامل الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. بل إن الأطفال يختلفون حتّى في الخصائص النمائيّة. وهو ما يفرض على المعلّمين مراعاة هذه الفروق الفرديّة أثناء العمليّة التعليميّة التعلميّة التي يأخذونها من علم النفس التربويّ الذي يزوّدهم بالمعرفة والأسس والمبادئ العلميّة المتعلّقة بكيفيّة مراعاة الفروق الفرديّة بين أفراد المجموعة الواحدة[7]كما يساعدهم أيضا على كيفيّة تحديد الخصائص النمائيّة ومطالب وحاجات النموّ للمتعلّمين التي تساعد على حسن اختيار الخبرة المناسبة لنموّ الأفراد في أيّ مرحلة من مراحل العمر الدراسيّ، وما يناسبها من أساليب وطرائق لتقديمها.
سادسا: القرارات المتعلّقة بكيفيّة إثارة الدافعيّة لدى المتعلّمين
التدريس عمليّة تفاعليّة لها طابع اجتماعيّ تقوم أساسا على التواصل والحوار بين المعلّم والمتعلّمين أو بين المتعلّمين فيما بينهم لتحقيق التعلّم والأهداف المنشودة، غير أنه قد تفشل العمليّة التعلميّة إذا غابت دافعيّة الأفراد للتفاعل أثناء العمليّة نتيجة عدم معرفة المعلّمين بأساليب الإثارة والتحفيز، أو جهلهم لأهميّتها أو لسلوك المعلّم المملّ الخالي من أيّ إثارة أو تشويق، أو أحيانا لأسباب نفسيّة تتعلّق بالمتعلّم. وهو ما يعين عليه علم النفس التربويّ بتزويدهم بالمعرفة النظريّة المتعلّقة بالدافعيّة .
سابعا: القرارات المتعلّقة بعمليّة التقويم.
لا يمكن معرفة مدى تحقّق الأهداف ومناسبة طرائق التقديم وفعاليّة الوسائل وغيرها من أساليب التدريس إلا من خلال التقويم الذي يساعد على اتّخاذ القرارات المناسبة لتقدّم عمليّة التعلّم والحكم على المتعلّمين. كما تساعد على اتّخاذ قرار النجاح والرسوب والانتقال إلى الصفوف العليا، ولاتّخاذ التدابير والإجراءات المناسبة لعدم تكرار الأخطاء التي وقعت أثناء العمليّة التعليميّة التعلميّة ويوفّر علم النفس التربويّ كلّ المعرفة العلميّة المتعلّقة بكلّ أشكال وأساليب ووسائل القياس والتقويم.
وهذا يعني كونها علميّة أم فنيّة تعود إلى المعلّم الذي لا يمكن أن يؤدّي واجبه بطريقة صحيحة ما لم يكن على دراية بالأمور العلميّة ثمّ لن ينجح بشكل أفضل إذا لم يكن فنّانا مبدعا في ذاته.
المحاضرة الخامسة
الأهداف التدريسيّة.
لكلّ أمّة تاريخها وثقافتها وأهدافها المستقبليّة، وهي في حفاظها على تواجدها ومحاولة تحقيق أهدافها تسعى إلى بناء مؤسّسات تربويّة تعلّم فيها أبناءها لتحقّق من خلالها استمراريتها وكيانها بإكساب متعلّميها (الخبرات والمعارف والمهارات وأنماط السلوك الأخرى التي تمكّنهم من التكيّف السليم ومن ثمّ المساهمة في استمراريّة ونماء مجتمعاتهم)[8] ذلك أنّ التعليم يساهم بقدر كبير في جعل الأفراد مسؤولين عن وطنهم وتاريخهم وهو ما يعزّز قيمة المواطنة لديهم فيوسّع آفاقهم ويفتّح أذهانهم فيدركون حقوقهم وواجباتهم. ذلك أنّ الممارسة التعليميّة تقوم على مجموعة من الأهداف توجّه المتعلّمين وتدفع بهم في اتجاهات مدروسة بعناية لتحقّق الغايات التي تنشدها الأمّة من خلال العمليّة التربويّة عامّة والتعليميّة خاصّة وهذا يفرض نوعا من التخطيط التربويّ والاجتماعيّ على مستوى الفرد والجماعة لتحقيق (مجموعة من الأهداف الجليّة تمكّن القائمين به من الوقوف على مدى النجاح والتقدّم في مجال تحقيق غايات هذا التخطيط ومراميه)[9] ونجاح ذلك إنّما يكون بتحقيق أهداف المجتمع وغاياته المرسومة. مع الإشارة إلى أنّ ذلك لا يتحقّق دفعة واحدة وإنّما تدريجيّا (عبر أجزاء صغيرة تتراكم على بعضها البعض لتشكّل السلوك النهائيّ)[10]ولا يتحقّق ذلك إلا بترجمة فلسفة المجتمع وغاياته إلى أهداف فرعيّة إجرائيّة لها مستويات مختلفة يمكن لحجرات الدرس تطبيقها وتحقيقها.
مستويات الأهداف.
من السهل جدّا صياغة عبارات على درجة عالية من العمومية والمثالية، غير أنّه من الصعوبة بمكان ترجمة هذه العموميات إلى خصوصيات وهذه المثاليات إلى وقائع عملية؛ ذلك أنّ الفلسفة التربويّة لكلّ أمّة/وطن يجب أن تترجم إلى أهداف تربويّة، كما أن الأهداف التربويّة يجب أن تترجم إلى أهداف تعليمية، والأهداف التعليميّة يجب أن تفكك إلى أهداف سلوكيّة يمكن ملاحظتها وقياسها وهذه هي التي تهم المعلّم، إذ عليها ببنى المحتوى ومنها يفهم التلميذ ما هو مطلوب أو متوقّع منه.
وتجزّأ الأهداف وفق هذه المخطّطة
|
إنّ الهدف بمفهومه الواسع يشير إلى المقصد أو الغاية التي يراد تحقيقها. ولا شكّ أنّ أهداف الأفراد أو المؤسّسات ليست واحدة، فهي مختلفة في درجة عموميتها وزمن تحقيقها، فمنها ما يحقّق على المدى البعيد، ومنها ما يحقّق في زمن متوسّط أو قريب، أمّا المستوى التربويّ فتصنّف الأهداف في مستويات ثلاثة هي:
1 – الأهداف التربويّة:
يسعى كلّ نظام تربويّ من خلال تعليمه الرسميّ إلى تحقيق غايات نهائيّة على مستوى الأفراد والجماعات هي ما يطلق عليها الأهداف التربويّة، وهي أهداف تتميّز عادة بالعموميّة تحتاج إلى وقت طويل لتحقيقها. وهي تركّز أساسا على المتعلّمين حيث تسعى إلى التأثير فيهم وتشكيل اتجاهاتهم العاطفيّة والفكريّة، وغرس فيهم القيم الوطنيّة والدينيّة والقوميّة، وقد تعتمد هذه الأهداف على جملة من المصادر منها:
- ثقافة المجتمع وتاريخه وفلسفته.
- النظام السياسيّ والاجتماعيّ والدينيّ والاقتصاديّ.
- طموحات المجتمع وتحدّياته
- طبيعة المعرفة والتطوّرات التكنولوجيّة.
تضع هذه الأهداف عادة ما يسمّونها القوى الضاغطة التي ترسم السياسات المختلفة للمجتمع ومنها السياسة التعليميّة، وتتمثّل عادة في رجال الفكر والسياسة والعلم. ومن أمثلة هذا النوع من الأهداف نجد ما يأتي:
– إعداد المواطن الصالح.
– مساعدة الفرد على النموّ المتكامل.
– إنشاء الفرد القادر على العطاء والإنتاج
– إعداد الفرد القادر على التكيّف مع الظروف المختلفة.
2 – الأهداف التعليميّة:
يعرّف "جرونلاند Gronlund" الأهداف التعليميّة بأنّها (حصيلة التعلّم العقليّ أو الحركيّ أو الانفعاليّ المترتّب على تدريس وحدة أو موضوع دراسيّ معيّن)[11] فهي أهداف تتحقّق إذًا داخل الصفّ/القسم. فهي تمثّل أنماط السلوك، والمهارات والخبرات التي يحصل عليها الفرد بعد دراسته لمنهاج معيّن أو وحدة تعليميّة أو مادّة دراسيّة. إذا كانت الأهداف التربويّة غارقة في العموميّة والشمول فإنّ هذه الأهداف متوسّطة في درجة العموميّة والتحديد، إذ نجدها أكثر تحديدا من سابقتها، ولا تحتاج إلى زمن طويل لتحقيقها ويتمّ تحقيقها في زمن أقلّ في أسبوع أو أسبوعين أو فصل ... وهي مختلفة في درجة عموميّتها تبعا لطبيعة صياغتها أو الغاية المنشودة منها، ويمكن أن تكون على الشكل الآتي:
- أهداف مادّة دراسيّة لمرحلة دراسيّة معيّنة مثلا : التربيّة الرياضيّة في السنتين الأولى والثانيّة في الابتدائيّ.
- أهداف سنويّة لمادّة دراسيّة معيّنة مثلا: دراسة العروض في مرحلة المتوسّط.
- أهداف فصليّة لمادّة دراسيّة معيّنة. مثلا: التعبير الشفوي في الفصل الأوّل من السنة الخامسة ابتدائيّ.
- أهداف وحدة دراسيّة معيّنة. وحدة الشعر السياسيّ في السنة الثالثة ثانويّ
تؤخذ هذه الأهداف عادة من الخطوط العريضة للمنهاج أو من الأهداف التربويّة، ومن المنهاج الدراسيّ والمقرّرات، يضعها مخطّطو المناهج البيداغوجيّون في وزارة التربيّة الوطنيّة ومن أمثلتها:
- إلمام الطالب بالعمليّات الحسابيّة الأربعة.
- اكتساب مهارات القراءة والكتابة.
- اكتساب المفاهيم المتعلّقة بدرس العروض.
- يبلور الطالب مرتكزات الثورة الجزائريّة ويصنّفها مع الثورات العالميّة المناهضة للاستعمار.
- يدرك الطالب ماهيّة علم النفس التربويّ وما هي أهدافه ومجالاته.
- أهميّة قانون مندل أو مرجان في الوراثة والبناء عليه في دراسة السلالات.
3 – الأهداف السلوكيّة:
يعرّف "ماجر Mager" الهدف السلوكيّ بأنّه (الأداء النهائيّ القابل للملاحظة والقياس والذي يتوقّع من المتعلّم القيام به بعد المرور بالموقف التعليميّ)[12] وهو ما يسمّيه البعض بالهدف الإجرائيّ الذي يستطيع المربيّ ملاحظته وقياسه والحكم عليه ويعرّفه "جونجي Gangé" بأنّه (القابليّة أو القدرة التي يكتسبها الفرد نتيجة المرور بالموقف التعليميّ والتي تمكّنه من القيام بأداء معيّن)[13] والحاصل أنّ الهدف السلوكيّ هو ما يتحقّق بعد الدرس حيث يكتسب المتعلّم شيئا جديدا يضيفه إلى مكتسباته السابقة ويستطيع تطبيقه على أرض الواقع فهي بذلك نواتج يتحصّل عليها المتعلّمون بعد حضورهم للدرس.
تمتاز الأهداف السلوكيّة بأنّها محدّدة لا تحتاج إلى ومن طويل لتحقيقها، بل على العكس من ذلك تحقّق في حصّة واحدة أو أقلّ. والذين يضعون هذا الأهداف ويصيغونها هم المعلّمون الذين ينجزون الدروس بمساعدة المديرين والمشرفين التربويّين والمفتّشين من خلال النصائح التي يقدّمونها للأساتذة.
يلجأ المعلّمون في صياغتهم للأهداف إلى مصادر كثيرة منها:
- الأهداف التعليميّة للمادة: وهي موجودة في المنهاج حيث يتمّ تجزئتها إلى أهداف سلوكيّة يمكن تحقيقها في مدّة زمنيّة معيّنة من خلال الحصّة الواحدة.
- دليل المعلّم للمادّة الدراسيّة أو ما يسمّى الوثيقة المرافقة: حيث نجد في الدليل وفي الوثيقة تحليلا لبعض الدروس فيبيّنان الأفكار والمبادئ والمفاهيم الرئيسيّة، بالإضافة إلى بعض النصائح والإرشادات والأمثلة التوضيحيّة وهو ما يساعد المعلّمين على صياغة الأهداف السلوكيّة أو الإجرائيّة المناسبة.
- يمكن استخلاص الأهداف من الدرس نفسه حيث يتم تحليل أفكاره الرئيسيّة واتجاهاته ومفاهيمه ومصطلحاته وقضاياه وهذه من شأنها أن تساعد المعلّمين على تحديد الأهداف السلوكيّة.
صياغة الأهداف السلوكيّة:
الأهداف السلوكيّة هي الأهداف التي يريد المعلّم تحقيقها من خلال المواقف التعليميّة التعلميّة "الدرس". وأنّ هذه الأهداف تتحقّق في مدّة زمنيّة صغيرة، ولذلك يجب صياغتها بدقة متناهيّة بغية تحقيقها وقياسها وتقويمها. وفي ذلك يقول "ماجر Mager"
(إنّ العبارة الهدفيّة يجب أن تكون واضحة ومحدّدة الصياغة بحيث يسهل الحكم على تحقّقها لدى المتعلّم)[14]وكما يرى أنّ عبارة الهدف السلوكيّ يجب أن تشتمل على ثلاثة مكوّنات رئيسيّة وهي:
- الأداء الظاهريّ للمتعلّم: أيّ السلوك الذي يقوم به المتعلّم بعد الدرس، فيجب أن يكون واضحا، صريحا، قابل الملاحظة والقياس والحكم على تحقّقه. مثلا أن يكتب المتعلّم أربع جمل فيها الحال مفردا وجملة فعليّة وجملة اسميّة وشبه جملة.
- شروط الأداء: يذكر الظروف التي يظهر من خلالها أداء وسلوك المتعلّم. مثل استخدام القاموس، أو مراجع أخرى .... أي أن يصل إلى ما يريد باستخدام القاموس في مدّة زمانيّة قياسيّة
- مستوى الأداء المقبول: الإشارة إلى المحكّ أو المعيار الذي يستخدمه للحكم على مدى تحقّق الهدف. ويعكس هذا المقياس المستوى الأدنى المقبول للأداء الذي يعتمده المعلّم لاتّخاذ القرار بفاعليّة ونجاح العمليّة التعليميّة التعلّميّة.
قد يلجأ المعلّم إلى تحديد معايير بتعبيرات زمنيّة، أو بعد معيّن من الاستجابات، أو باعتماد النسبة المئويّة...
مثال ذلك:
- إعراب خمس جمل تحتوي نائب فاعل بشكل صحيح دون الرجوع إلى الأمثلة في الكتاب.
- يسمّي الطالب المدن السياحيّة في الجزائر بشكل صحيح دون الرجوع إلى الخريطة.
- حلّ مسائل القسمة باعتماد الآلة الحاسبة في مدّة أقل من دقيقتين.
مبادئ عامّة في صياغة الأهداف السلوكيّة
عند صياغة الأهداف السلوكيّة يجب مراعاة جملة من الشروط منها:
1 – التركيز عند صياغة الأهداف على النواتج التعليميّة المهمّة والابتعاد عن الهامشيّة.
2 – تنويع الأهداف بحيث تغطّي جميع المستويات العقليّة كالمعرفة والفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم.
3 – تراعي الأهداف حاجات الطلبة وخصائصهم النمائيّة، وتناسب مستواهم العقليّ وتلبّي حاجاتهم.
4 – صياغة الأهداف يجب أن تكون واضحة ومحدّدة والابتعاد عن الغموض.
5 – تكون قابلة للملاحظة والقياس.
6 – تصاغ بدلالة سلوك المتعلّم وليس المعلّم.
7 – تجنّب استخدام الأفعال الغامضة التي لا يمكن قياسها مثل يدرك، يستنير، يصبح قادرا، يفهم، يعرف، يتعلم...
8 – الا يشتمل الهدف على أكثر من ناتج تعليميّ واحد.
9 – أن يكون الهدف واقعيّا يمكن تحقيقه أثناء الدرس.
[1] ينطر: يسري مصطفى السيد، تعليم العلوم : نظرة شمولية، موقع khayma.com/yousry/Science
[2] ينظر: المرجع نفسه
[3] م ن.
[4] مبادئ علم النفس، ص 31
[5] م ن، ص 31
[6] ينظر: مبادئ علم النفس التربوي، ص 31 وما بعدها
[8] عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ علم النفس التربويّ، ص 47
[9] م ن، ص 47
[10] م ن، ص ن.
[11] مبادئ علم النفس التربويّ، ص 49
[12] مبادئ علم النفس التربويّ، ص 50
[13] م ن، ص 50
[14] مبادئ علم النفس التربويّ، ص 51
المحاضرة الثالثة
مناهج البحث في علم النفس
استخدم الإنسان أساليب متنوّعة ومختلفة في بحوثه المتواصلة لدراسة الظواهر النفسيّة، ومحاولاته اكتشاف أسرار الحياة العقليّة والنفسيّة، معتمدا مناهج علميّة أوصلته إلى جملة من الحقائق العلميّة التي ساعدت الإنسان على معرفة نفسه وغيره. وقد عرفت هذه الأساليب بمناهج البحث في علم النفس.
معلوم أنّ علم النفس التربويّ يستخدم الطرائق العلميّة في دراسته للظواهر السلوكيّة والنفسيّة المتعلّقة بعمليّة التعليم والتعلّم من أجل توليد المعرفة النظريّة من خلالها، ثمّ توظيفها عمليّا في مواقف صفيّة لجعلها عمليّة ولرفع وتحسين كفاءتها. ولا شكّ أنّ الظواهر السلوكيّة المرتبطة بعمليّة التعليم والتعلّم مختلفة ومتغيّرة وهو ما يدفع بالمختصّين إلى استخدام مناهج مختلفة في دراستها. كما أنّ المناهج المتّبعة في هذا الحقل تختلف باختلاف أهداف البحث العلميّ إذ لكلّ بحث منهجه المناسب له.
وقبل الوقوف على مناهج علم النفس التربويّ نقف على مفهوم المنهج
المنهج لغة مصدر ميميّ فعله "نهج" أيّ سلك طريقا معينا، أمّا اصطلاحا فهو: (فنّ التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إمّا من أجل الكشف عن حقيقة في العلوم حينما نكون بها جاهلين بواسطة طائفة من القواعد العامّة التي تسيطر على سير عقل الباحث وتحدّد عمليّاته حتّى تقبل، أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حينما نكون بها عارفين)[1]
وهذه المناهج هي:
أوّلا: منهج الدراسات الوصفيّة "المنهج الوصفي" la méthode descriptive
تطوّر هذا المنهج خلال القرن العشرين، بعدما اكتشف العلماء الآلات الحاسبة التي ساعدت الباحثين على التحكّم في تصنيف البيانات والأرقام وتحديد العلاقات فيما بينها بسرعة فائقة. ويدرس هذا المنهج الظاهرة "النفسيّة أو السلوكيّة" كما هي في الواقع من دون أن يؤثّر الباحث في أسبابها أو عواملها. وقد تدرس الظاهرة أثناء حدوثها أو بعد أن تحدث؛ حيث يسعى الباحث إلى تقديم وصف كمّيّ أو كيفيّ لها يساعد على اتّخاذ قرارات مناسبة حيالها. ليحقّق جملة من الفوائد منها
- تقديم الوصف الكيفيّ أو النوعيّ حول الظاهرة المدروسة.
- اتّخاذ القرارات المناسبة في اقتراح الحلول أو تقديم التوصيّات أو إعطاء تفسيرات في ضوء النتائج المحقّقة.
- توليد البحث التجريبيّ من خلال إخضاع الحلول والتفسيرات للتجريب للتأكّد من صحّتها[2].
يستخدم الباحث في جمعه للظاهرة عدةّ أدوات كالملاحظات الدقيقة، سواء أكانت طبيعيّة أم اصطناعيّة والمقابلة وأدوات المسح المختلفة كالاستبانات واستفتاءات الرأي والسجلات والوثائق والمذكّرات والاختبارات...
من الطرائق المستخدمة في هذا النوع من البحوث نذكر:
- الطريقة الطويلة: يعتمد الباحث في دراسته لمثل هذه الظواهر "فكرة الوقت" فمثلا إذا كان الباحث يبحث عن النموّ الاجتماعيّ لدى الطفل فإنّه يعتمد فكرة الزمن من الشهور الأولى إلى سنّ متقدّمة يتكوّر فيها الطفل من حال إلى حال وتتمّ الدراسة من خلال مجموعة أو من خلال واحد، متطلّبة المزيد من الجهد والصبر والوقت كما أنّه يصعب تعميم نتائجها في أغلب الأحيان.
- الطريقة العريضة : يلجأ الباحث هنا إلى توفير الوقت و الجهد، حيث يقسّم المدّة المراد تتبّع الظاهرة عبرها، إلى فترات عمريّة محدّدة، ثمّ يأخذ عيّنات كبيرة ، كلّ عيّنة تمثّل فترة عمريّة فرعيّة، ثمّ يحسب المتوسّط الحسابيّ لكميّة وجود الظاهرة لكلّ فئة ليصل في النهاية إلى استخراج متوسّطات حسابيّة لكلّ فئة من الفئات التي كان حدّدها لتمثّل المرحلة الزمنيّة الكليّة المراد تتبّع نموّ الظاهرة عبرها .
ينتظر من الباحث الوصفيّ أن يقدّم أوصافا دقيقة للظاهرة على شكل جداول تصبح معايير للظاهرة المدروسة ، و يمكن تطبيقها على أفراد آخرين ، إضافة لذلك ينتظر من الباحث الوصفيّ أن يكشف عن المتغيّرات أو العوامل ذات العلاقة بالظاهرة ، ونوعيّة العلاقات الوظيفيّة لهذه المتغيّرات بالنسبة للظاهرة موضوع الدراسة وما زال هذا الأسلوب أكثر استخداما في الدراسات الإنسانيّة.
ثانيّا: منهج الدراسات التجريبيّة: La méthode expérimentale
يعتمد هذا المنهج على عمليّة التجريب والتطبيق العمليّ للعلوم النظريّة، وهو من أدقّ مناهج البحث، واعتُبر هذا المنهج عند بعض الفلاسفة أمثال جون لوك وديفيد هيوم المصدر الوحيد للمعرفة، يقوم المنهج التجريبيّ بالتثبّت والتحقّق من الفرضيّات من خلال مقارنة توقّعاتها بالمعطيات الموضوعيّة التي يتمّ جمعها بواسطة التجريب، (وتسمّى الظاهرة موضع الدراسة بالمتغيّر التابع، إذ إنّ قيمة هذا المتغيّر تتأثّر بما يجريه الباحث من تغيّرات في المتغيّر المستقلّ. ويمثّل المتغيّر المستقلّ العامل الذي يختاره الباحث بحيث يتحكّم في قيمته ومستوياته لتحديد أثره في المتغيّر التابع أو الظاهرة موضع البحث)[3] فالمنهج التجريبيّ هو دراسة أثّر متغيّر مستقلّ "الذي يؤثّر"، في آخر متغيّر تابع "الذي يتأثّر" بطريقة تعتمد على التحكّم الكمّيّ أي رقميّ. فمثلا أثر إدمان المخدّرات في سلوك الأفراد، أو أثر الطلاق في سلوك الأطفال، أو أثر الضوضاء في الفهم، أو أثر السرعة في الوقت المستغرق.
وتكون الملاحظة العلميّة الدقيقة هي ركيزة هذا المنهج حيث يقوم بتحويل الأفكار الناتجة عن الملاحظة إلى فرضيّات علميّة بعد تكرار التجربة أكثر من مرّة للوصول إلى نتائج واضحة ودقيقة قابلة للتطبيق لتكون بعد ذلك قوانين علميّة.
يجب أن نشير إلى أنّ العلوم الإنسانيّة بما فيها علم النفس قد استفادت من خطوات المنهج التجريبيّ العلميّة وتطبيقاته غير أنّ الظواهر الإنسانيّة السلوكيّة غير ماديّة، ومتغيّرة، وتتميّز بالتجريد والوعي والإرادة ممّا يصعب تقييدها بالإجراءات التجريبيّة في المختبرات، ولذلك يكون مختبرها هو البيئة الطبيعيّة العامّة التي توجد بها هذه الظواهر، مثل المدرسة والمجتمع والأسرة.
فمثلا يختار الباحث عيّنة عشوائيّة من الأفراد الذين يريد أن يقيم عليهم التجربة، ثمّ يقسّمهم إلى مجموعتين:
- المجموعة التي يريد أن يطبّق عليها ما يريد وتسمّى المجموعة التجريبيّة
- مجموعة أخرى لا يتعرّض أفرادها للمعالجة تستخدم فقط لغايات المقارنة وتسمى المجموعة الضابطة.
ولضمان حصول نتائج دقيقة يجعل الظروف متشابهة واحدة بين المجموعتين طوال فترة التجربة ما عدا المتغيّر المستقلّ لأفراد المجموعة التجريبيّة وحجبه عن المجموعة الضابطة. بعد الانتهاء من التجربة يعدّ الباحث أداة للقياس لدراسة أداء الأفراد. ويستخدم إحدى أساليب الإحصاء للمقارنة بين المجموعتين. وإذا أظهرت الدراسة وجود فروق ذات دلالة إحصائيّة بين المجموعتين فإنّه يعزي هذا الفرق إلى المتغيّر المستقلّ. فإذا إذا أراد أن يبيّن دور التعزيز اللفظيّ مثلا فيكون التعزيز هو المتغيّر المستقل. وإذا أظهرت النتائج أنّ دافعيّة المجموعة التجريبيّة أعلى من المجموعة الضابطة فإنّ الباحث يستنتج أنّ للتعزيز اللفظيّ أثرا في الدافعيّة .
ويجب أن نشير إلى أنّ هناك منهجا يسمّى شبه التجريبيّ وهو الذي يكون فيه المتغيّران على ما هما عليه دون أن نتدخّل نحن فيهما فمثلا لا يمكن أن نعرف أثر الطلاق في سلوك الأفراد بأن نطلّق مجموعة من الناس لمعرفة أثر الطلاق في أبنائهم. أو مثلا ندمن مجموعة من الناس لمعرفة أثر الإدمان في سلوكهم بينما لمعرفة أثر الضوضاء يمكن التدخل في المتغيّر المستقلّ بأن نقيم ضوضاء في القسم.
ثالثا منهج الدراسات الارتباطيّة
يقوم هذا المنهج على (دراسة العلاقة بين ظاهرة ما وظاهرة أخرى أوبين متغيّر ومتغيّر آخر بدلالة إحصائيّة)[4]حيث يقوم هذا المنهج على إحصاء النتائج بين المتغيّرين بحيث (يشير المتغيّر إلى الخاصّيّة التي تتواجد بنسب مختلفة عند أفراد المجتمع الواحد كالدافعيّة والتحصيل والذكاء والطول والوزن...)[5]. وتكون دراسة هذه العلاقة بين المتغيّرين من خلال ضبط "معامل الارتباط" الذي هو العلاقة القائمة بين متغيّرين اثنين، قابلين للقياس، يلاحظان في آن واحد على كلّ فردٍ من المجموعة الإحصائيّة. وتزداد هذه العلاقة كلّما زاد الترابط بينهما.
نستخدم معامل ارتباط "بيرسون – برافيه" (Coefficient corrélation Pearson-Bravaisلقياس مدى الارتباط بين متغيّرين كمّيين:
- مثال: مدى ارتباط عدد الساعات التي يخصصها الطلبة للدرس بتحصيلهم الدراسيّ (علامة التقييم لكلّ منهم).
فالمتغيّر الأوّل هو عدد الساعات التي يخصّصها الطلبة للدرس، والمتغيّر الثاني تحصيلهم الدراسيّ "نتائجهم"، تكمن العلاقة في مدى ارتباط عدد الساعات بالتحصيل.
- مثال آخر قياس الارتباط بين الإنتاجيّة (يمكن قياسها بعدد المخرجات) وسنوات الخبرة (يمكن تعدادها).
وعندما لا تكون المتغيّرات كميّة ويمكن ترتيب الخيارات المتاحة بالتدرّج كحال المتغيّرات النوعيّة الترتيبيّة ، نلجأ إلى احتساب معامل ارتباط "سبيرمان"corrélation Spearman Coefficient عبر إعطاء رتبة لكلّ مشاهدة.
مثال: العلاقة بين نسبة مشاهدة التلفاز (متغيّر نوعيّ ترتيبيّ ) مع سلّم بالرتب على درجة المشاهدة: (نادرًا، قليلاً، متوسطًا، كثيرًا، دائمًا) والمدخول الشهريّ للفرد (متغيّر كمّيّ ويغطّي قيمة الدخل الشهريّ). فنحتسب معامل ارتباط سبيرمان بعد القيام بتحويل المشاهدات للمتغيّرات إلى رتب متدرّجة، والعمل على الفوارق بين الرتب.
وتكون علامة التقييم في الحالتين بين -1، 0، +1. وفي الحالتين يكون لدينا بيانات رقميّة.
في تحليل نتيجة الارتباط، إذا كانت النتيجة صفرًا، فهذا يعني أن لا علاقة بين المتغيّرين؛ وإذا كانت سالبة فهذا يعني أن العلاقة عكسيّة، أي كلّما ارتفع المدخول الشهريّ (متغيّر مستقل) انخفضت مشاهدة التلفاز (متغيّر تابع)؛ وإذا كانت موجبة فهذا يعني أن العلاقة طردية مباشرة، أيّ كلّما ارتفع المدخول الشهريّ (متغيّر مستقل) ارتفعت مشاهدة التلفاز (متغيّر تابع).
مثال آخر علاقة وزن الجسم والذكاء فلا علاقة بين المتغيّرين إذ وزن الجسم لا يؤثّر سلبا وإيجابا في ذكاء الأفراد.
يسهم معامل الارتباط في تحقيق الفوائد الآتية:
- تحديد وجود وعدم وجود علاقة بين المتغيّرات.
- بيان قوّة العلاقة بين المتغيّرات "قويّة – متوسّطة – ضعيفة"
- بيان اتجاه العلاقة بين المتغيّرات "طرديّة – عكسيّة"
- بيان نوع العلاقة بين المتغيّرات "خطّية – انحنائيّة".
[1] محمود أحمد درويش، مناهج البحث في العلوم الإنسانيّة، مؤسّسة الأمّة للنشر والتوزيع، ط1/2018، ص61
[2] عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادي علم النفس التربوي، دار الكتاب الجامعيّ، ط2/2012، ص 35
[3] عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادي علم النفس التربوي، ص 36/37
[4] عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادي علم النفس التربوي، ص 35
[5] م ن، ص 35
المحاضرة الثانيّة
أهداف علم النفس التربويّ وعلاقته بالعلوم الأخرى
يعدّعلم النفس التربويّ حلقة وصل بين النظريّة النفسيّة والتطبيق التربويّ، يكمن دوره في محاولة التعرّف على ما تعترض العمليّة التربويّة من مشاكل، والمساهمة في حلّها بهدف رفع الكفاءة التربويّة للأفراد أثناء عمليّة التعليم والتعلّم. وهو في ذلك يضع نصب عينيه –من خلال تحديد مجال البحث الذي يحرص عليه - مسألتين أساسيّتين هما: كيف يتعلّم الأفراد؟ وما هي الطرائق الأفضل التي يفهم من خلالها المتعلّمون؟
وعلم النفس التربويّ من خلال سعيه إلى التوفيق بين النظريّات النفسيّة والتطبيقات التربويّة يحقّق هدفينكبيرينهما:
1 - توليد المعارف النظريّة حول السلوكات الإنسانيّة في المواقف الصفيّة أثناء عمليّة التعلّم والتعليم، من خلال تزوّد المربّي بالمبادئ والمفاهيم والنظريّات النفسيّة التي تساعد على فهم السلوك وضبطه وتفسيره ثمّ توجيهه.
يشير هذا الهدف إلى أنّ علم النفس التربويّ يقوم على قاعدتين: قاعدة نظريّة وقاعدة أخرى سلوكيّة حيث (يتنول دراسة سلوك المتعلّم في الأوضاع التعليميّةالمختلفة)[1] وهي أمور ميدانيّة خاضعة لما يصل إليه علم النفس من أمور نظريّة،ولأنّه علم يبحث في (طبيعة التعلّم ونتائجه وقياسه وفي خصائص المتعلّم النفسيّة الحركيّة والانفعاليّة والعقليّة ذات العلاقة بالعمليّة التعليميّة التعلميّة كما يبحث في الشروط المدرسيّة والبيئة التي تؤثّر في فعاليّة هذه العمليّة)[2] وهي أمور تربويّة من مهام رجل التربيّة، فإنّه يتّكئ في فهمها على موضوعات علم النفس. بل إن البداغوجيّين يلجأون إلى التعامل مع كلّ الأنواع المختلفة من المناهج للحصول على المعارف التي تقع ضمن اهتماماتهم ومحاولة الاستفادة منها وتطبيقها في عملهم. وهذه المناهج تتراوح (بين عمليّات الضبط التجريبيّ التي تتمّ في المخابر وتتناول الحيوانات وعمليّات الملاحظة المباشرة التي تجري في الصفّ المدرسيّ وتتناول الطلاب والأطفال)[3]
2 - وضع هذه المعارف النظريّة في إطار عمليّ تطبيقيّ يمكّن المربّين من الاستفادة منها في المواقف التعلميّة التعليميّة، قصد نجاح المربّين في أداء مهامّهم وتحقيق الهدف من العمليّة التربويّة.
ويشير هذا الهدف إلى الجانب التطبيقيّلعلم النفس التربويّ، غير أنّ (مجرّد توليد المعارف ووضع النظريّات والمبادئ ذات العلاقة بالتعلّم والطالب لا يضمن نجاح عمليّة التعليم)[4] فهي في حاجة إلى أمور أخرى تنظيميّة للمعارف والنظريّات وجعلها في أشكال يستطيع المعلّمون استخدامها بعد اختبارها للتأكّد من مدى صدقها وفعّاليّتها وقوّة تأثيرها في العمليّات التربويّة.
يعمل البيداغوجيوّن على تطبيق النظريّات التربويّة التي يصلون إليها على الأوضاع التعليميّة التعلميّة المختلفة في حجرة الدرس التي هي الميدان الحقيقيّ لكلّ هذه الدراسات فيعدّلون ما يمكن تعديله من خلال النتائج التي تتحقّق بعد التطبيق، وكثيرا ما يطوّرون طرائق التعليم ووسائله بعد تطبيقها للوصول إلى نتائج تعليميّة عاليّة.
باعتماد الهدفين المذكورين يتمّ سدّ كلّ الثغرات التي تكون بين الجانبين النظريّ في علم النفس والتطبيقيّفي التربيّة لأنّ علم النفس التربويّ يتضمّن هذين الجانبين فلا هو نظريّ بحت باعتماده علم النفس ولا هو تطبيقيّ بحت باعتماده فن التدريس ولكنّه يأخذ منهما جميعا فيكون وسطا بينهما.
يجب أن نشير إلى أنّ استفادته من علم النفس لا يعني تركه للحقول الأخرى التي تتولّد من علم النفس العام، فهو يستفيد أيضا من (النظريّات والمبادئ والمعارف التي تولّها فرع علم النفس الأخرى كعلم النفس النموّ، وعلم النفس التجريبيّ، وعلم النفس الاجتماعيّ، وعلم النفس الإكلينيكيّ)[5] فهو يجمع بين نتائج كلّ هذه العلوم لتحقيق الغاية التي يسعى إليها في تفعيل العمليّة التربويّة.
الأهدافالعامّة
1-فهم الظواهر التربويّة ودراستها،ومعرفة أسبابها ودوافعها وهو مايُسهم في نجاح العمليّة التعليميّة واستمرارها،كمعرفةالدوافعوالأسبابوراء كلّ سلوكيصدرعنالطلاب .
2-التنبّؤ بحدوث ظاهرة ما، نتيجة المعطيات المتاحة، والتي تشير إلى حدوث ظواهر مشابهة لها في الماضي، ومن ثمّ يمكن أن يسهم في حلّ الكثير من المشكلات، قبل وقوعها .
3-ضبط العمليّة التعليميّة المتمثّلة في ضبط المتغيّرات والأسباب التي تحدث في العمليّة التعليميّة، ورغم أنّ عمليّة الضبط صعبة،لإمكانيّة ظهور بعض العناصر المفاجئة، إلا أنّها تسهم في نجاح العمليّة التعليميّة[6]
أمّا الأهداف الخاصّة فتتمثّل في
1-تفسيرسلوكالمتعلّمين من خلالدراسةالسلوكالإنسانيّ،والتعرف على المبادئ النظريّة للنفس البشريّة لمختلف الشخصيات، أثناء العمليّة التعليميّة.
2-تطبيق التجارب النظريّة المدروسة سابقا واستخدام نتائجها في شتّى المواقف التعليميّةلحلّ المشكلات التي تحدث أثناء العمليّات التعليميّة التعلميّة
أهدافلها علاقةبالمربّين
1-إمدادهم بالخبرات التربويّة الصحيحة التي طبّقها من قبلهم سابقوهم، وحتّى لا يقعوا في خلطآرائهمالشخصيّة وأهوائهم وميولاتهم بالعمليّة التعليميّةوالتي غالبا ما تكون غير علميّة، ولذلك كان الهدف من علم النفس التربويّ تكوين مربّين حياديّي التفكير .
2-تحسين قدرة المربّين على التنبّؤ بسلوكات المتعلّمين حماية لهم من المشاكل ووضع حلول لها قبل وقوعها .
3-زيادةنسبة حسّ الملاحظة لدى المربّين سواء في قدرتهم على اكتشاف المتفوّقين والموهوبين ،لتحسين وضعهم أكثر، وتنمية قدراتهم الذهنية، أم في ملاحظة الذين يعانون من مشاكل تربويّة ونفسيّة، أو أيّ صعوبات أخرى أثناء التعلّم، من أجل أن توضع لهم خطط لعلاجهم نفسيّا وتربويّا
4-تقويم سلوكات المربّين الذي ينعكس على تحسين سلوك المتعلّمين، لأنّ المربّي يؤثّر في متعلّميه وعليه أن يكون قدوة صالحة، حتّى يكونوا صالحين.
5-إمداد المربّين بالأساليب التعليميّةوالتربويّةالمختلفة ذلك أنّ دور المربّي لا يقتصرعلى إعطاء المعلومة،وإنماعلى كيفيّة إعطائها وهو ما يعني أهميّة الطريقة التي يعتمدها المربّون وصحتها أثناء العمليّة التعليميّة التعلميّة ،والتي تعتمد أساس على نفسيّة المتعلّمين ومعاملة كلّ واحد منهم بالطريقة المناسبة حتّى يجذب انتباههم،ويستثير فضولهم وتساؤلاتهم.
ساعد علم النفس التربويّ المربّين في اكتساب الأساليب الجديدة التي مدّت المعلّم بالكثير ممّا يحتاجه في توصيل المعلومة،كالسبورات الذكيّة، والفيديوهات التعليميّة،التي جعلت المتعلّمين يرون الأمور بالصوت والصورة، ولا يعتمدون على التخيل فقط .
أهدافترتبطبالمتعلّمين
- تقويم سلوك المتعلّمين وتعديله، وبناءشخصيّات مستقلّة وسويّة لهم .
-مساعدة المتعلّمين على إيجاد الحلول للمشكلات المختلفة التي تعترضهم.
-زيادة قدرتهم على الاندماج اجتماعيّا، والتكيّف مع أقرانهم داخل المدرسة وخارجها.
-اكتشاف مواهب المتعلّمين ومهاراتهموتنميتهاوتبنّي المتميّزين منهم وتوجيههم ورعايتهم.
- حلّ مشكلات الذين يعانون من صعوبات التعلّم، والأزمات العائلية لهم.
- تمكينهم من معرفة دوافع التعلّم لديهم.
وخلاصة الأمر أنّ علم النفس التربويّ يزود المربّين بالمهارات التي تساعدهم في التمييز بين أساليب التدريس والتأهيل النفسيّ، وما بين الصحيح وغير الصحيح منها، ويقدّم له آخر ماتوصّلت إليه الدراسات العلميّة في علوم السلوك والتعامل مع المواقف التربيّة، وتعريفهم بطرائق التدريس الصحيحة لإيصال المعلومات بسهولة وبأقل مجهود، وإجراء التجارب النفسيّة لتحديد سلوكات المتعلّمين ومدى ذكائهم في مختلف المراحل العمريّة، ليتمّ وضع المناهج المناسبة لهم، وتدريبهم على التفاعل الاجتماعيّ بما حولهم من زملائهم وبيئة محيطة بشكل إيجابيّ.
[1]عبد المجيد نشواتي، علم النفس التربويّ، ص16
[2]م ن، ص16
[3]م ن، ص16
[4]م ن، ص16
[5]عبد المجيد نشواتي، علم النفس التربويّ، ص 17.
[6] ينظر: سماء تركي داخل، حيدر كريم الموسويّ، علم النفس التربويّ أسس منهجيّة، مكتب نور الجسر للطباعة والتنضيد، ط2/2016، ص25