لمّا كان عهد النّهضة واتّصل الشرق بالغرب، وقف أبناء هذه البلاد علي أساليب الغرب في هذا الباب، وعرفوا أنّ النقد ذو أصول وطرق، وادركوا ماله من أهميّة في توجيه الكتابة والتّأليف، وماله من أفضال علي نهضة الشعوب وكانت العلوم والفلسفة قد أدركت شوطا عظيما من التّقدم، والعقل قدوقف أمام الماضي موقف الشكّ وأمام الحاضر والمستقبل موقف التفّهم والكشف علي الاسرار الطّبيعة، وتعدّدت في هذا العهد وسائل التحرّي، ونشرت الطباعة ما كان مخبأ أو ما كان في متناول العدد القليل من النّاس ونُبشت خزائن المخطوطات و هكذا كان لإتّصال الشرق بالغرب وبأساليبه التقليدية ولتخرّج الطلبة عَلي أساتذة توفّر لهم الذّوقُ الفنّي والثّقافية الأدبيّة الرّاقية ولتقدّم العلوم السيكولوجيّة والتّاريخية، ولا تّساع المجال لحرّية القول والكتابة ولا سيما بعد الحرب الكونيّة الأوُلي أثر بليغٌ في نشأة الرّوح النقديّة العصريّة عند أبناء الشّرق، فوثب النّقد وثبة عظمية وراح يجري علي مقاييس عقليّة وفلسفيّة، ويعتمد المنطق ومتقصّيا المعاني قبل المباني، متجرّدا من الأميال والأهواء الشخصيّة قدر المستطاع، لاينظر إلّا بعين العلم ليزن كلّ شي ء يميزانه.


مقياس النقد الأدبي الحديث السنة 2.docxمقياس النقد الأدبي الحديث السنة 2.docx